الثلاثاء، 2 مارس 2021

تعريف بشخصي المتواضع

 سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي...
إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ:
أنا ما أكتب.

تمثيل!! (مجموعة "خداع بصر"- 2)

 

تمثيل !!

 

ظاهر البؤس ومبطنه..

ويحمل بؤسه ولكنها قوة دفع الحياة التي يوشك أن يتخلص منها قنوطاً،

هي التي تجره وتدفعه في آن ليحمل بؤسه ويدخل به محل عمله..

الرجل أبغض الحياة وعزم على الانتقام منها بإلقائها عنه باحتقار،

ولكن ها هي الحياة تحمله لمحل عمله بقوة سرية عجيبة، لعلها تصرّ أن تستعمله طالما لا يزال على قوتها..

فحين سيتخلى عنها بعد ساعات فستفقد الحياة خدماته للأبد، ولكن الحياة لا تتنازل عن حقوقها تجاه عمالها..

الحق حق.. طالما يتقاضى أجراً في صورة أنفاس من الحياة فسيعمل في خدمتها حتى النفس الأخير..

 

دخل محل عمله الذي هو ستوديو تمثيل هائل..

تقف على بوابته سيارات مهيبة وظاهر أنه عامل أو كومبارس..

ولماذا ترْك وظيفته مبنية للمجهول وعرض احتمالاتها بقدر مقتضى ظاهره،

بينما القصة القصيرة قصيرة تقصر دون إطالة التأمل في كل شئ؟

إنه كومبارس يشارك في عملية التمثيل..

 

وإنها آخر مرة يدخل استوديو، ليس فقط لأن صحته تتدهور ولم يعد محل طلب،

ولكن لأنه لن يبقى حياً ليدخل استوديو على أرض الأحياء،

مثلما كانت آخر مرة يخرج من الزقاق المقرف الذي يسكنه وآخر مرة يرى امرأته المنفرة وشبِّيح الحارة الذي يتعمد إهانته

ظناً منه أنه ممثل ومن ثمَّ فـ"التعليم عليه" يزيد الشبِّيح مهابة ويرمم فجوات نقصه،

ومثلما كان بالأمس آخر مرة يحبسونه في نقطة البوليس،

 ويجبرونه على تنظيف دورة مياهها بعد القبض عليه في معركة تافهة على المقهى،

المقهى!! إنها أيضاً كانت آخر مرة من نصف ساعة... آخر مرة يتفنن في المراوغة وهو يمر من أمامها صباحاً وقت وجود صاحبها بها،

 حتى يتحاشى مواجهة طلبه المر بحساب المشروبات المتأخر..

وبعد نصف ساعة أخرى ستكون آخر مرة يخرج من الاستوديو الذي هو في قلبه الآن،

تعبر كل الأنظار به ليس لرؤيته ولكن لأنه بحكم دوره يقف في خط سير العيون الشاخصة نحو خروج الممثل المهم،

وقد حوله الماكياج لشحاذ ذليل أتعس من الحال الحقيقيّ للرجل الكومبارس،

والرجل الكومبارس، بدوره، ينتظر دوره وهو يرتدى بذلة سينمائية.. منظر فقط من قماش خفيف..

 

وفيما بطل القصة يقترب من بطل الفيلم بحسب موضعه المقرر في السيناريو،

سمع بحكم مروره حواراً من ثرثرات مساعدي المخرج المتحذلقين.....

--- بارع النجم الكبير أستاذ تقمص بدرجة مئة بالمئة!! لا يمكنك تفرقته عن أي جربوع..

= أنت مخطئ يا عزيزي.. طالما يعرف الواحد أن الدور له نهاية فلا يمكن له طرد حقيقة أنه يمثل قطّ من وعيه..

--- ينسى أن لدوره نهاية.. ينسى ولهذا يتقمص..

= ينسى؟ تكونُ داهيةٌ لو نسي..

انظر له وهو يصفع رفيقته؟ تجده يصفعها بلطف لأنه يعلم أنها "سونيا سليم" وليست شحاذة بلا قيمة..

انظر له وهو يواجه سكين حاد! يبتسم في داخله لأنه لا ينسى أنها لحظة سالفة التقرير في السيناريو،

وسيعود بعدها لحقيقة نفسه.. لو نسي سيموت من الرعب وحافة السكين على رقبته...

--- أنت تغمط ممثلينا الكبار من أنبغ تلامذة فن ستانيسلافسكي حقهم.. انت تحطم فن التمثيل هكذا!!

= بل أثبته!! الممثل يعلم أنه يمثل طالما يتذكر أن لدوره نهاية،

وهكذا يكون تمثيله فناً عطيماً لأنه يتحدى وهم الحقيقة..

--- أخالفك فإن ستانيسلا.......

 

انتهى الحوار لما صاح كبير المساعدين:

= سكوت هنصور..

 

وحملت ضرورة الحياة الخلابة الرجل الكومبارس لأداء دوره التافه..

وانتهى.. وخرج، وفي خروجه وجد المساعدين لا يزالا يتثرثران ويتجادلان عن وهم الحقيقة وفن التمثيل..

ولا يزال احدهما يكرر بسماجة:

---- كيف تقول إنه تام التقمص في حين أنه يخلع ملابسه؟

إن ما يحفظه في عدم الانجراف وراء التقمص لنهايته أنه يعلم أن لدوره نهاية..

 

خرج الرجل الكومبارس لا يعبأ بشئ إلا بمواجهة مأساة حياته التي سينتقم منها أشرّ انتقام عمله في حياته:

أنه سيلقي بها عن نفسه بكل احتقار قفزاً من فوق الكوبري تجاه المياه..

وسار في طريقه..

وعاد للزقاق حيث يسكن..

لا لا يمكن القول إنه عدل عن قراره..

لم ينفض عن نفسه قراره بالانتحار!!

الأدق هو القول أنه نسيه..

نسيه كما ينسى الطفل واجباته حين يشاهد فيلم السهرة..

فالآن أمامه فيلم بديع يريد معرفة مشاهد الـ"أكشن" التالية فيه وآخر ما لدى شخصياته المثيرة:

زوجته المنفرة والشبِّيح والشاويش وصاحب المقهى الذي يلح على ديونه،،،،،،،

تاكسي!! (مجموعة "خداع بصر"- 1)

 

خداع ..  بصر !!

مجموعة قصص قصيرة... ولا أطول


مهندس/ باسل المطيعي    

 

 

حاشا للحقيقة أن يكون لها وجهان!! هو وجه واحد.. لعله ليس هو الظاهر لك.. لعلك ضحية خداع بصر!!

مع تحيات ب. م.


إهداء

أهدي "خداع بصر" إلى حبي القائم على ضعف البصر،،،

 

فهرس 

                عروض كريمة للنشر تحت الدراسة (أؤجل عرض رابط إلى حين الاختيار والاتفاق!

 

  

تاكسي !!

 

خداها محبستي ولا لي من مغالقها مناص.

في برج قلعة أنفها حاولتُ التمسُ الخلاص.

جلدتني خصلة شعرها إذ أوقعتني في القصاص.

حقنتني ترياقَ التمردِ! فعلُها في العرق غاص.

سلّمت أمرى حين تطلق فيّ عيناها الرصاص!

 

 سهر الرجل على أبياته هذه يكتبها ويعيد قراءتها ويتردد بين تحويلها للضمير الثاني (المُخاطَب) حتى يعود ليستقر مع الضمير الثالث (الغائب)،

لعل "خداكي محبستي" و"قلعة أنفكِ" و"خصلة شعرِكِ" و"رصاصات عيناكِ" تكون أمضى حميمية..
ولكن الغائب أكثر مهابة وبهاءً..
كما أن الضمير المخاطب يبث الرعدة في خلاياه، والرعدة غير المهابة.. 

بقي يقلِّب ويتقلّب بين اختياري الضمائر وعناصر مفاضلتها،
حتى ارتضى باختيار المهابة والبهاء الغائب عن اختيار الحميمية المشحون بالرهبة،

ليتفرّغ، بعد أنحزم أمر قراره، للاعتناء بالتيقن من شمول الكلمات لدقائق نظريته عن الشخص الرهيب المُشار له في الأبيات..

 

ونظريته أنها احتوته وعرفت كيف تحبسه في توافق عجيب بينهما.. كم هي سريعة التوافق معه في كل شئ وكل رأي..

رغم عدم جاهزيته لإنشاء بيت وتقديره لاحتياجه لغير أربع سنوات لبلوغ المبلغ المعقول للبدء في "فتح بيت" المبلغ الذي يكفي بالكاد للبدء،

مع ذلك فبطلة الأبيات تنتظره وتوافقه على كل خططه.. وفوق ذلك فالأهم هو انطباق نفسيتها على نفسيته..

هو حالم وهي حالمة وفي النادي تصبر على آرائه الادبية ونظرياته اللغوية ولا تبالي فيما يظهر له بفتيان الرياضة والأزياء، مثلما هو ليس فقط لا يبالي بهكذا أنشطة بل يميل للاستخفاف بها،

وطالما سخر بنكاته البديعة من "مشمش" فتى الاسكواش التافه وكافئته صاحبته عليها بالضحكات العذبة..

 

فكيف بعد كل هذا لا تحبسه في داخلها؟

ولما كان لكل إحساس بشريّ معادل جسديّ له، فلقد تجلى المعادل الجسديّ في ملامح وجهها..

ومن هنا كان تصويره لانحباسه ومحاولته العابثة للهروب منها وجلده بخصلة شعرها وما إلى ذلك من بديع تدبيجه السالف إثباته..

 

كما أنه ليس أبلهاً حتى يكون مخدوعاً.. لا ليس أبلهاً قط..

يعاود تذكار أول حوار جبار بينهما مع تحدي اتهامه بالبلاهة والانخداع في مشروع بقية عمره تلك..

كانت أطراف الكلام من بعيد لبعيد حين أبدت ملاحظة عابره أنه يمثل علامة تعجب في أسلوبه ونظره لكل شئ،

وهو لا يفلت فرصة كلمة عابرة ليبني عليها كلمات للتاريخ، فاستفاض:

= لست علامة تعجب ولنكن جعلتيني هكذا..

== أنا! كيف؟

= كنت قبلاً علامة استفهام..... ولكني صرت علامة تعجب بعدما أجبتي عن سؤالي..

== بديع فماذا تقول أنت عني أنا؟

= أنتِ نقطة

== فقط نقطة.. كنت أظنني أهم

= أنتِ نقطة تسير كلمات جملتي متعبة على السطر آملة في بلوغها حتى تستريح.

 

لا ينسى انبهار عينيها من بلاغته..

ولكن من عاد يقدر هذا الفن؟

إنها عناية السماء ولا شك التي أهدت له هذه الأتحوفة البشرية النادرة الوجود،

ومن يجد هكذا توافق وتلائم في كل شئ ومع شخص خصوصيّ مثله؟

 

الفجر قارب على البزوغ ولكن النادي الذي يلتقيان فيه لا يفتح مبكراً هكذا وهو لا يجد للنوم سبيلاً..

لا مانع أن يقضي بقية ساعات النهار ساهراً وحين رؤياها ورؤيا عيناها اللتان تطلقان عليه الرصاص

فسيستعيد يقظته حتماً.. على الأقل صوت الرصاص سيوقظه إن لم يوقظه ألم جلدات خصلة شعرها..

 

القصة قصيرة ولكن ساعات النهار طويلة حتى بلغ نحو العاشرة صباحاً فارتدى ألطف ما لديه من ثياب

تعبر عن ذوق فذ يوافق حسه الأدبيّ الذي يعرف ما للأناقة من قيمة تفوق الثمن الماديّ.. والآن فهي أوجب..

ومفهوم لماذا..

 

والآن في الطريق هناك ما يضايقه..

تاكسي تاكسي.. لا يقف له تاكسي..

الحر قائظ وزحام نهار المدينة المعتاد يزيد على النفوس فوق الحر كتماً للأنفاس،

والتاكسي صار نعمة الصباح إن وقف واحدٌ منها لمستغيث..

لا عجب أن الواحد يتضايق في هذا الموقف..

ولكن الرجل شعر بخاطر ما يلوِّن ضيقه!!

الانتظار بمثلابة حنقة له ولكل من هم في موقفه في الطريق ولكن خاطره الذي خالجه كان متميزاً!!!

خاطر متميز كأنه صفعة فوق خنقة!!!!

 

ولكن لم يكن له وقت لتحليل ذلك الخاطر المتميز لأن الغيظ امتلكه حين اقترب تاكسي فاخر

سره أنه سيذهب به للنادي فيحافظ على منظر ثيابه ومنظر نزوله، ولكن التاكسي بمجرد ما اقترب حتى شرع في تجاوزه..

اغتاظ جدا ونظر لساعته فوجد الساعة تقترب من الحادية عشرة فاغتاظ أكثر..

وقبل هدوء غيظه وقف له تاكسي قديم وسائقه رجل كبير السنة وحالهما جميعاً يصعب على قساة القلوب..

ابتسم الرجل لنفسه فهل هناك من يقف لينتقي تاكسياً؟ الواحد يشير لكل التاكسيات ويركب أول من يقف له،

ولاشك أنه مبخت لوقوف تاكسي في وقت مناسب، وليكن حريصاً على هندامه في صالون هذا التاكسي بقدر إمكانه..

على أنه مع اقترابه من التاكسي المتواضع كان التاكسي الفاخر قد توقف وعاد قليلاً للخلف،

وظهر له أن سائقه تراجع عن رأيه في تجاوزه، فتوجه تجاهه وليستر على حرجه من سائق التاكسي المتواضع،

فإنه  غض بصره وأعطاه ظهره وهو يتوجه للتاكسي الواسع..

ولكن بمجرد ركوبه للتاكسي عاوده إحساس ذاك الخاطر المشابه للصفعة، مر عليه في أقل من لمح البصر،

لأنه لم يكن لديه وقتاً أطول من لمح البصر يفسحه لخواطره.. لديه الأهم لديه الثابت اليقينيّ في حياته،

فليترك عوارض الخواطر لوقتها غن كان لها وقت أو لزوم..

 

إذاً عاد، وقد استوى داخل التاكسي وخلا الحال من قلق المواصلات،

عاد إلى التركيز في عيون الرصاص وانبهارها بالأبيات الواصفة لها..

بقي هكذا لا يرى أمامه إلا تلك العيون حتى وصل للنادي ليجد القفا..

كانت الموصوفة بأبيات محبسة الخدود ورصاص العيون ترتدى نظارة شمس حديثة،

والأدهى أنه وجدها منشغلة بالحديث مع "مشمش"!! نعم "مشمش"  فتى الاسكواش البارع..

 

إذاً لا هو رأي عيناها ولا هي سمعت القصيدة لعل وجنتيها تدلان على شئ مما عليه عيناها ولا وجد فرصة للكلام معها أصلاً..

 

خير.. لا إشكال.. من وقت لآخر يكون لها "طلعات" وسرعان ما كان يؤدبها بطريقته،

حتى ترجع مستسلمة ليعاود مقامه في زنازين تقاسيم وجهها..

في أول فرصة حينما يقذفها بأبيات القصيدة سيكون في هذا براعة استهلال لعلقة التأديب الواجبة..

كل ما عليه الصبر يوماً والموعد غداً ولا شئ يقلق إلا احتمال مرارة الصبر ليوم آخر..

 

وفي عودته عادت مشكلة التاكسي والانتظار ومرة ثانية ركب أول تاكسي توقف له..

وهذه المرة لا يعلم لماذا، وهو يركب أول تاكسي توقف له ،  سمع كلاكس عنيف قريب كأنه صوت جرس منبه الإيقاظ المزعج!!

 

ولما عاد لمنزله بقي منتظراً اليوم التالي، وقضي يومه الحاليّ معاوداً النظر في أبيات قصيدته ومراجعاً وضع علامات التنصيص، متلهفاً على اليوم التالي لعل مواصلاته تكون أهدأ وفرص التاكسي تتوفر بأكثر راحة....



القصة التالية من "خداع بصر !": تمثيل!!

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.