الثلاثاء، 2 مارس 2021

تاكسي!! (مجموعة "خداع بصر"- 1)

 

خداع ..  بصر !!

مجموعة قصص قصيرة... ولا أطول


مهندس/ باسل المطيعي    

 

 

حاشا للحقيقة أن يكون لها وجهان!! هو وجه واحد.. لعله ليس هو الظاهر لك.. لعلك ضحية خداع بصر!!

مع تحيات ب. م.


إهداء

أهدي "خداع بصر" إلى حبي القائم على ضعف البصر،،،

 

فهرس 

                عروض كريمة للنشر تحت الدراسة (أؤجل عرض رابط إلى حين الاختيار والاتفاق!

 

  

تاكسي !!

 

خداها محبستي ولا لي من مغالقها مناص.

في برج قلعة أنفها حاولتُ التمسُ الخلاص.

جلدتني خصلة شعرها إذ أوقعتني في القصاص.

حقنتني ترياقَ التمردِ! فعلُها في العرق غاص.

سلّمت أمرى حين تطلق فيّ عيناها الرصاص!

 

 سهر الرجل على أبياته هذه يكتبها ويعيد قراءتها ويتردد بين تحويلها للضمير الثاني (المُخاطَب) حتى يعود ليستقر مع الضمير الثالث (الغائب)،

لعل "خداكي محبستي" و"قلعة أنفكِ" و"خصلة شعرِكِ" و"رصاصات عيناكِ" تكون أمضى حميمية..
ولكن الغائب أكثر مهابة وبهاءً..
كما أن الضمير المخاطب يبث الرعدة في خلاياه، والرعدة غير المهابة.. 

بقي يقلِّب ويتقلّب بين اختياري الضمائر وعناصر مفاضلتها،
حتى ارتضى باختيار المهابة والبهاء الغائب عن اختيار الحميمية المشحون بالرهبة،

ليتفرّغ، بعد أنحزم أمر قراره، للاعتناء بالتيقن من شمول الكلمات لدقائق نظريته عن الشخص الرهيب المُشار له في الأبيات..

 

ونظريته أنها احتوته وعرفت كيف تحبسه في توافق عجيب بينهما.. كم هي سريعة التوافق معه في كل شئ وكل رأي..

رغم عدم جاهزيته لإنشاء بيت وتقديره لاحتياجه لغير أربع سنوات لبلوغ المبلغ المعقول للبدء في "فتح بيت" المبلغ الذي يكفي بالكاد للبدء،

مع ذلك فبطلة الأبيات تنتظره وتوافقه على كل خططه.. وفوق ذلك فالأهم هو انطباق نفسيتها على نفسيته..

هو حالم وهي حالمة وفي النادي تصبر على آرائه الادبية ونظرياته اللغوية ولا تبالي فيما يظهر له بفتيان الرياضة والأزياء، مثلما هو ليس فقط لا يبالي بهكذا أنشطة بل يميل للاستخفاف بها،

وطالما سخر بنكاته البديعة من "مشمش" فتى الاسكواش التافه وكافئته صاحبته عليها بالضحكات العذبة..

 

فكيف بعد كل هذا لا تحبسه في داخلها؟

ولما كان لكل إحساس بشريّ معادل جسديّ له، فلقد تجلى المعادل الجسديّ في ملامح وجهها..

ومن هنا كان تصويره لانحباسه ومحاولته العابثة للهروب منها وجلده بخصلة شعرها وما إلى ذلك من بديع تدبيجه السالف إثباته..

 

كما أنه ليس أبلهاً حتى يكون مخدوعاً.. لا ليس أبلهاً قط..

يعاود تذكار أول حوار جبار بينهما مع تحدي اتهامه بالبلاهة والانخداع في مشروع بقية عمره تلك..

كانت أطراف الكلام من بعيد لبعيد حين أبدت ملاحظة عابره أنه يمثل علامة تعجب في أسلوبه ونظره لكل شئ،

وهو لا يفلت فرصة كلمة عابرة ليبني عليها كلمات للتاريخ، فاستفاض:

= لست علامة تعجب ولنكن جعلتيني هكذا..

== أنا! كيف؟

= كنت قبلاً علامة استفهام..... ولكني صرت علامة تعجب بعدما أجبتي عن سؤالي..

== بديع فماذا تقول أنت عني أنا؟

= أنتِ نقطة

== فقط نقطة.. كنت أظنني أهم

= أنتِ نقطة تسير كلمات جملتي متعبة على السطر آملة في بلوغها حتى تستريح.

 

لا ينسى انبهار عينيها من بلاغته..

ولكن من عاد يقدر هذا الفن؟

إنها عناية السماء ولا شك التي أهدت له هذه الأتحوفة البشرية النادرة الوجود،

ومن يجد هكذا توافق وتلائم في كل شئ ومع شخص خصوصيّ مثله؟

 

الفجر قارب على البزوغ ولكن النادي الذي يلتقيان فيه لا يفتح مبكراً هكذا وهو لا يجد للنوم سبيلاً..

لا مانع أن يقضي بقية ساعات النهار ساهراً وحين رؤياها ورؤيا عيناها اللتان تطلقان عليه الرصاص

فسيستعيد يقظته حتماً.. على الأقل صوت الرصاص سيوقظه إن لم يوقظه ألم جلدات خصلة شعرها..

 

القصة قصيرة ولكن ساعات النهار طويلة حتى بلغ نحو العاشرة صباحاً فارتدى ألطف ما لديه من ثياب

تعبر عن ذوق فذ يوافق حسه الأدبيّ الذي يعرف ما للأناقة من قيمة تفوق الثمن الماديّ.. والآن فهي أوجب..

ومفهوم لماذا..

 

والآن في الطريق هناك ما يضايقه..

تاكسي تاكسي.. لا يقف له تاكسي..

الحر قائظ وزحام نهار المدينة المعتاد يزيد على النفوس فوق الحر كتماً للأنفاس،

والتاكسي صار نعمة الصباح إن وقف واحدٌ منها لمستغيث..

لا عجب أن الواحد يتضايق في هذا الموقف..

ولكن الرجل شعر بخاطر ما يلوِّن ضيقه!!

الانتظار بمثلابة حنقة له ولكل من هم في موقفه في الطريق ولكن خاطره الذي خالجه كان متميزاً!!!

خاطر متميز كأنه صفعة فوق خنقة!!!!

 

ولكن لم يكن له وقت لتحليل ذلك الخاطر المتميز لأن الغيظ امتلكه حين اقترب تاكسي فاخر

سره أنه سيذهب به للنادي فيحافظ على منظر ثيابه ومنظر نزوله، ولكن التاكسي بمجرد ما اقترب حتى شرع في تجاوزه..

اغتاظ جدا ونظر لساعته فوجد الساعة تقترب من الحادية عشرة فاغتاظ أكثر..

وقبل هدوء غيظه وقف له تاكسي قديم وسائقه رجل كبير السنة وحالهما جميعاً يصعب على قساة القلوب..

ابتسم الرجل لنفسه فهل هناك من يقف لينتقي تاكسياً؟ الواحد يشير لكل التاكسيات ويركب أول من يقف له،

ولاشك أنه مبخت لوقوف تاكسي في وقت مناسب، وليكن حريصاً على هندامه في صالون هذا التاكسي بقدر إمكانه..

على أنه مع اقترابه من التاكسي المتواضع كان التاكسي الفاخر قد توقف وعاد قليلاً للخلف،

وظهر له أن سائقه تراجع عن رأيه في تجاوزه، فتوجه تجاهه وليستر على حرجه من سائق التاكسي المتواضع،

فإنه  غض بصره وأعطاه ظهره وهو يتوجه للتاكسي الواسع..

ولكن بمجرد ركوبه للتاكسي عاوده إحساس ذاك الخاطر المشابه للصفعة، مر عليه في أقل من لمح البصر،

لأنه لم يكن لديه وقتاً أطول من لمح البصر يفسحه لخواطره.. لديه الأهم لديه الثابت اليقينيّ في حياته،

فليترك عوارض الخواطر لوقتها غن كان لها وقت أو لزوم..

 

إذاً عاد، وقد استوى داخل التاكسي وخلا الحال من قلق المواصلات،

عاد إلى التركيز في عيون الرصاص وانبهارها بالأبيات الواصفة لها..

بقي هكذا لا يرى أمامه إلا تلك العيون حتى وصل للنادي ليجد القفا..

كانت الموصوفة بأبيات محبسة الخدود ورصاص العيون ترتدى نظارة شمس حديثة،

والأدهى أنه وجدها منشغلة بالحديث مع "مشمش"!! نعم "مشمش"  فتى الاسكواش البارع..

 

إذاً لا هو رأي عيناها ولا هي سمعت القصيدة لعل وجنتيها تدلان على شئ مما عليه عيناها ولا وجد فرصة للكلام معها أصلاً..

 

خير.. لا إشكال.. من وقت لآخر يكون لها "طلعات" وسرعان ما كان يؤدبها بطريقته،

حتى ترجع مستسلمة ليعاود مقامه في زنازين تقاسيم وجهها..

في أول فرصة حينما يقذفها بأبيات القصيدة سيكون في هذا براعة استهلال لعلقة التأديب الواجبة..

كل ما عليه الصبر يوماً والموعد غداً ولا شئ يقلق إلا احتمال مرارة الصبر ليوم آخر..

 

وفي عودته عادت مشكلة التاكسي والانتظار ومرة ثانية ركب أول تاكسي توقف له..

وهذه المرة لا يعلم لماذا، وهو يركب أول تاكسي توقف له ،  سمع كلاكس عنيف قريب كأنه صوت جرس منبه الإيقاظ المزعج!!

 

ولما عاد لمنزله بقي منتظراً اليوم التالي، وقضي يومه الحاليّ معاوداً النظر في أبيات قصيدته ومراجعاً وضع علامات التنصيص، متلهفاً على اليوم التالي لعل مواصلاته تكون أهدأ وفرص التاكسي تتوفر بأكثر راحة....



القصة التالية من "خداع بصر !": تمثيل!!

هناك 4 تعليقات:

  1. انا مش شاعر
    بس الشعر ده اكثر من رائع موزون ومفيش ابدع مو كده

    ردحذف
    الردود
    1. دخلت تاربخ البلوج يا مستر أمير لكون تعليقك هو اول التعليقات، ولعلك تغير رأيك إن طالعت عمن كُتب عنه الشعر..
      مشكور لكرم تعليقك..

      حذف
  2. الردود
    1. ربنا يديم متابعتك للجروب ومايخيبش ظنك في الانتفاع بمتابعتك الكريمة.

      حذف

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.