الاثنين، 5 أبريل 2021

أجمل حزينة (رأس الشعر-- قصيدة بديوان منفرد ومتفرّد)

  

هنا يسكن نصّ قصيدة

أجمل حزينة

بين سطور قصّتها

 

 

   كتبتها لحظياً، وحفظتها حرفياً، وفشلت في تغيير حرف فيها أفشل مما فشلت في معرفة كيف حفظتها غيابيّاً تلقاءً دون محاولة، بل أصلاً كيف أتممتها دون مداولة؟!؟! إنها قصة بقصيدة او قل هي قصيدة بقصة.. جديرة بقرار بقانون أن نتضدّر مجموعة "ولكنها تدور".. إنها "أجمل حزينة"!!!!

 

   دخلت المحاصرة بتطميع الزميل "أمين" أن هنالك فرصة للعب "إكس او" وخلا ذلك فلا أدخل محاضرة.. وهكذا دخلت معه وجرى رسصم مربعات "إكس أُو" في كشكولي من حيث أنه ممتلئ بالصفحات التعيسة التي لم تكتمل فيها محاضرة ولا اتضحت فيها مغالق خط يد.. ولكن لفت نظر الزميل أنني سرحتُ قليلاً، لا عن المحاضرة التي لم أتابعها أصلاً، بل حتى عن اللعبة لأكتب شيئاً ما.. نظر لما اكتب منبهراً..وتمتم: "ايه دا؟"..

 

   لم أكذِّب الخبر وبادرت تلقاءً بضم نظرته تلك إلى ما كنت أكتب فسجلتها بقولي: "قد تطنوُ بي الظنونا تتهمني بالرعونة وتسألني اتكتب كل هذا الشعر يا هذا .....".. فزادت القصيدة لتسمل تسجيل كل ما يبدور بدقة..

  

   ذلك أنني رأيت "أجمل حزينة" تكتب وتكتب وراء المُحاضِر وأنا اكتب واكتب توصيفاً بحالها الجامع بين الغباء والحزن الخام.. حزن غريب طبيعيّ.. يُرَى ولا يُوصّف.. وأنا أكره الغبا بقدر ما أحب الحزم الخام، ولعل إلغاز هذه المفارقة المستحيلة هو ما استدعى تلقاءً محاولة حله بالخروج لساحة لم تسبق لي.. ودائماً ما بدعو المستحيل للحلول المستحيلة.. وكان مستحيلاً عليّ كتابة الشعر وإلا فلماذا لم أحاول قط قبلاً؟!

   وللحق فهي ليست غبية ولكنه مظهر خادع مثلما أنها ليست حزينة.. فالحزين بحق لا تظهر عليه علائم الغباء ولو كانت غاشة.. ولكن هل لي من القصة إلا أعراضها؟ ولذلك فإن رد فعلي كان كتابة قصيدة لا فتح عيادة..

 

   ليلاً وجدتني أحفظها غيباً فلم أصدق وعاودت البحث عن الأوراق التعيسةلأجدني لم أخطئ حرفاً في تسميعها حرفاً حرفاً!!!!

 

   غير مرة حاولت تثريتها فعصت وبقيت كما هي لا تزيد ولا تنقص إلا سطراً واحداً أضفته عنوةً ليكون الاستثناء الذي يبرز القاعدة أن هذه القصيدة هي مصداق نادر الحدوث للنظريبة البنيوية.. هكي هكذا في قالب واحد.. وأما ذاك البيت فتتعثر فيه عينا كل متذوق لانسجام البنية العصوية لهذه التحفة..

 

   ليس منتهى عجائب هذه القصيدة بعد.. فإنني لم أعهد نفسي قبلها شاعراً ولا حتى ناظماً.. لا كتبتُ شيئاً كهذا من فبل هذه لا موضوعاً ولا أسلوباً.. كانت بداية توقَفَتْ لتعود بعد زمن بخمسمئة أو أكثر توزعن عبر أرجاء إيوان بستة عشر ديواناُ،  ولكن لا يسمح ضميري بإنكار حق"أجمل حزينة" أنها كانت بداية الشعر.. مهما ابتعدت التاليات بعيداً بعدها ومهما فقنها كماً وكيفاً فتبقى البداية هي الرأس الملكة أو الملكة الرأس! إذ ماذا يحمل التاج إلاها،،،

  

 

هذا هو النص الكامل (شاملاً السطر الزائد) لـ
أجمل حزينة

 

   

الحزينة

 

حبيبتى أجمل حزينة

حزنها يقهر حصونا

كانت تحيط بقلبى المقطوع من صخرٍ

يقاوم كل ألوان السخونة

 

صار قلبى تحت وطأة حزنها

كلُبابة من دقيق أبيضٍ

صار قلبى كالعجينة

 

صار مثل بساط حجرتها الذي

فرشته تحت سريرها

فيبيتُ ينتظر الصباح بلهفةٍ

فلقد تعوَّد أن يموج برعشةٍ

عندما تصحو وتخطرُ فوقه

تداعبه بأقدامٍ حنونة

 

المدينة

 

مدينة قلبي

إنَّها

 كانت حصينة

كانت مدينةً للعلم والعلماء

صارت

قريةً للعاشقين

مدينة قلبي للعلوم أقمتها

شيدتها

زينتها عبر السنين

فكنت ترى فيها نيوتن جالسا

وآينشتين بين الجائلين

وتسمع شكسبير يتلو شعره

وتسمع همهمات الباحثين

وللفلاسفةِ أقمت فيها بنايةً

وضاحيةً لكل المبدعين

 

صحت المدينة صبح يوم

خائفة

فلقد أطلت في سماها

نظرةٌ

 مختلفةٌ

من عيون حبيبتي

تلك الحزينة

و لم يمر نهار ذاك اليوم إلا قد محت

نظرات محبوبتي تلك المدينة

تلك التي كانت مدينة

 

فأعلنْتُ الهزيمة فرحاناً

حزينا

ثم قد سلَّمْتها

مفتاح قلبى مع مفاتيح المدينة

 

حزن محبوبتى

 

حزن محبوبتى مثل حزن صبِيَّةٍ

قد ودَّعت حبيبها

و هي تعلم أنها قد لا تراه

أو أنَّه

في حضنها لقي المنونَ

 

أميرة الوجهين

 

حبيبتي مثل أميرةٍ مصريةٍ

قد أقامت في عهود الأقدمين

في عهود الفراعنة العظام أراها قد أطلَّت

من شرفة القصر المُنيف مزينة بكل زينة

و الراقصات السمراوات حولها

بكل رفق ينثنينَ

و المعبد المصريُّ في مرمى البصر

يعجُّ بكهان بأجساد متينة

تبوح أعينهم بحكمة مصرية

و أيديهم تفوح فنونا

و شعب أميرة الوجهين رُكَّع ساجدينا

و نـهر النيل يهدر تحت شرفة قصرها

ثائرا مفتونا

 

و ألمح فى عيون حبيبتي حزناً دفينا

يا للعجب

حزن الحبيبة مثل حزن أميرة

قد أحاط بقصرها غوغاء قوم ثائرين

فأسألُ

فيم الحزن أيتها الأميرة؟

فتجيبنى

نفس نظرتها الحزينة

 

البلاهة الحزبنة

 

حبيبتى بلهاء

تحزن بلا سبب

تجلس فى المقاعد الأولى وتكتب

ثم تكتب ثم تكتب

دون كللٍ أو تعب

و أنظر فى مُحيَّاها  كى أستبين

إن كانت هي فهمت

فأدرك أن الفهم قد عادَ

و لم يجد

في هذه الرأس الجميلة السمراء ركناً أو مكانا

ياليتــنـى كنت البلاهة عينها

فأمكثُ في هذه الرأس الحزينةِ

 ساكناً مسكونا

 

إلتـــفاتة إلى الصديق المذهول

 

قد تظنُّ بى الظنون

تتهمنى بالرعونة

و تسألني

أتكتب كل هذا الشعر يا هذا

من أجل بلهاء حزينة؟

مرآة حبك لا ترى

مجنونة

 

لا تقل مرآة حبي لا ترى

لا تقل مرآتي عمياء ولكنْ

ثق بأن الحب يخلق للضرير عيونا

 

ثق بأنِّي قد أرى ما لا تراهُ

وإن تكرمت فساعدني و مد يد المعونة

فإنِّي أشد ما أكون عوزا للمعونة

فهي حبيبتي

لكنى لست حبيبها

و أنّى لشاعر في مثل حظي أن يكونا

 

و لو رأيت ما أراهُ

و لن ترى

لهتــفت مثلى

صارخاً بِاسْمِ الحبيبةِ

كوني لي

دنيا

ودينا

حبيبتي اسمها (....)

 

 

   لم يكن ممكناً لهذه الأتحوفة وفد اطلع عليها اثنان أحدهما كاتيها أن تبقى سراً دون حفنة عشرات آخرين من الزملاء.. وسأجمع خلاصة تعامل أولئك معها ومردوده على شخصي بجمع طرفيها من أقصى التفاهة لأقصى الخطورة..

  

    فهذا حوار هكذا دار مع الطرف غير ذي الدُربة مع فن القصائد:

     -- اسمها سعاد.. صح؟

    = لأ غلط يا غبى

 

   -- أنا غبى؟

 

   = وانا أغبى منك اللي أقرا الشعر العالى ده قصاد واحد غبى زيك..

  

   ومن تفاهة الغباء ما يستر! لأنه يغير نكهة حدة أثر القصيدة حال وصولها لغير مرحبيها.. يتصله مصحوبة بنكات التفهاء فينصرف غصبه ويتشتت بين "وحايد" السفها..

   انببهت لهذا مبكراً فتسامحت وأفسحت موضعاً في نفسي لاحتمال ما تثيره الغباوة من لواعج الإحباط.... ولم أمانع، بل لعلّي رحبت, بل ربما سعيت في توسعة دائرة غير ذوي الدربة في استطعام هذا النوع من الكتابة.. بل لتكن سعاد للتمويه وقليل من التغابي لا يضر، ويسرني تمتع الأفذاذ من القراء بالنباهة التي تجعل خداعهم عسيراً إذ لا تخدعهم حركة "التغابي" هذه إذ يفهمون أنها سعاد بالفعل ولكني أتغابى للتمويه..

    إذاً داوم البعض تناقلها شفاهةً والإشارة لها لآخرين والإلحاح على نشرها في مجلة حائط أو مجلة من منشورات الكلية، ولم يخب تأثيرها قطّ وفي كل مرة قصة أخرى أقاوم إغراء استدعائها.. ولكن كان التأثير الظاهر كقمة جبل الجليد يخفى تحته من الجذور ما لم أتصوّره!!

   على أن "أجمل حزينة"، القصيدة، لم تتعد دائرة ضيقة تحت تمام التحكم والضمان، فلا سمحت لأحد المعدودين أولئك باسترجاع أي طرف منها لغير من يعلم أني أدخلته في دائرة العرض ولا تسامحت قط مع إغراء نشرها، حتى أتى نصيب نشرها هنا في أمان تباعد الزمن حيث يقرأ القارئ بعد 30 سنة إلا قليلاً جداً!!!! وأما لماذا فهذا فهو لمنظومة أخلاق أعلمها وأفهمها ولا يشتوعيها كثيرون، ولكون منبع القصيدة نزعة تحدٍّ لغويّ لا تجربة شعورية كما يروج مما لا مصلحة لي معه..

   ولم يتوقف الأثر النافذ للقصيدة على تعرّف وشغف البعض.. كان هناك أدل على الأثر قصته بدأت بكلمة قالها زميل ضخم طويل وعريض وقويّ البنية ولعله مارس الملاكمة وقتاً.. هذا عمل زميلاً لأحد روّاد القصيدة في حداثة تخرجهما.. وقال له كلمة ذات يوم عمل: "قررت أخطب"، ونقل لي الزميل المتأثر بالقصيدة الحوار الذي أنقله بحرفه كما نُقِل لي مع ما زاد عليه من جانبي استفهاماً على سبيل الاطمئنان:

--- الزميل المتأثر بالخطبة المزمعة: "قررت أخطب"

-- الزميل المتأثر بالقصيدة: "ايه اللي عجبك في اللي هتخطبها؟"

--- الزميل المتأثر بمشروع الخطوبة: "عينيها فيهم حزن غريب يا فلان مالوش سبي يخليك عاوز تطبطب عليها كدة"..

-- الزميل المتأثر بالقصيدة: "تكونش سعاد؟" ناطقاً اسمها تلقاءً بحسب ما يملأ نقاط السطر الأخير من القصيدة..

--- الزميل المتأثر بمشروع خطبته هائجاً من التعجب والقلق: "عرفت منين عرفت منين انا ماقلتش لحد إطلاقاً ولا ليها ولا سبت علامة ولا أي حاجة دي واحدة في الستين مليون (تعداد مصر وقتها) عرفت منين دا مش طبيعي جبت اسمها منين؟" (وهاج زميل الزميل على الزميل)!

-- الزميل زبون القصيدة: "أصلي سمعت الكلام دا قبل كدة"..

--- الزميل الطالب الخبطة: "سمعته قبل كدة يعني إيه؟ مين قال الكلام دا قبل كدة؟

@ أنا: "أوعى تكون قلت له مين دا مفترس"
-- الزميل زبون القصيدة: "لا مقلتش" وحاول مساومتي على الاحتفاظ بالصمت، ولكني غير قابل للمساومة..

   ولم تعرف "سعاد" بأمر القصيدة قط ولا عرف زوجها المحترم (مش ربنا بارك له وكملت نيته لخطوبة لزواج سعيد) لم يعرف إلا بأن هناك من شاركه نفس الأثر فيما لم تعرف هي أي شئ، ولن يعرفا..
إنك محظوظ أيها القارئ بمعرفة لم يحظ بها أصحاب الشأن!!

 

 

 

الاثنين، 8 مارس 2021

خداع بصر (مجموعة "خداع بصر"- 20)

 

 

خداع بصر

 

،

،

،

،

،

،

،

،

،

= عفواً لكن لا أجد هنا نص قصة "خداع بصر"!


--- هل أنت متأكد أن هناك قصة بهذا الاسم هنا؟


= قطعاً.. وأحسبها أهمّ قصة هنا لأن عنوانها هو عنوان المجموعة كلها..


--- سأبحث لك.. قلت ما هو الاسم؟

 

= .... عذراً على الإزعاج.... لعله خداع بصر!!!

 

 

 

 

 

 

إلى اللقاء في فسحة ترفيه مع

حوليّات !!  
أو: ولكنّها تدور !!!!


فرخ الفولسكاب يكتب قصته (مجموعة "خداع بصر"- 19)

 

 

فرخ الفولسكاب

يكتب قصته

 


لست الكاتب الأصليّ لهذه القصة، ولعلي ترخّصتُ في تسويغ أسلوبها بموافقة كاتبها..
وهي قصة قصيرة.. أكرر رغماً عن النقاد هي "قصة" و"قصيرة" بحق كلمتي قصة قصيرة.. فهل أقصر من اليوم في عمر الزمن الذي هو قصير أصلاً؟
ليست هذه مقالة.. وإلا كنتُ أشرت على كاتبها أن يدفع بها لجريدة سيّارة يومية وبحظى بنشر اسمه في عواميد الكتاب..

وليست هي عظة.. وإلا كنت لا أبالي بالحرص على ذِكر كاتبها التعيس، من حيث ان الوعظ يسمح بالترخص في النقل والاستشهاد، وكنت قد ألقيتها بنفسي على المنابر واكتسبت شعبية بين مصاف الوعاظ ذوي الشعبيات المغرية..

وإذ يصرّ كاتبها المدقق على تسمية المسميات بأسمائها، ووضع المواضيع في مواضعها،

وإذ لم يجد من يقبلها منه، فقد طلب مني استضافتها في مجموعتي المتواضعة..

ولم أمانع في ضم القصة لمجموعتي المتواضعة مع الإشارة لمصدرها والاتفاق معه على حقي في بعض تعديل صياغتها-- لإيفاء الأمانة حقها..

ولهذه القصة مفارقة.. ففيها كانت "قصة الكتابة" أكثر إثارة من "كتابة القصة".. لأنها ليست مكتوبة على ورقة ولكن ورقة هي التي كتبتها..
أظن الآن بهذا التلميح فقد حان وقت كشف شخصية كاتبها..
كاتبها هو "فرخ فولزكاب" من تلك الأفرخ التي يتكب الناس عليها او يستعكلونها في أشياء أخرى هي موضوع قصته الذاتية..

وهذا ما تسلمته من الفولسكاب أعرضه بأمانة الناقل وتعديل المحرر:

 

فرخ الفولسكاب يكتب قصته

 

مقدمة

أكتب قصتي في يوم معاناتي!! يوم الحمقى العالمي..

ولست أنا من الحمقى، لكم الكرامة، ولكني "تاج راسهم".. نعم أنا تاج راس الحمقى.. ألست الـ"فلوزكاب".. انتهت المقدمة فشغفي هو بالمتن كما أني شغةف باسترضاء القارئ لأكسب تعاطفه في معاناتي المشروحة أسفله، ثم أني لست كاتباً مرتزقاً بحكم أوراق ما أكتب حتى اطيل على ضحايا القراءة بطول الإطناب في التقديم.. قلت انتهت المقدمة!

 

ترويسة البيانات:
الكاتب: ورقة فلوزكاب..

الناشر (من الباطن): هذا الذي يسرح في كلامي بالتعديل بحسب ما يظنه بلاغة وتسويغاً ولا حيلة لي فلم أجد غيره يستضيفها للنشر..

اليوم: هو اليوم العالمي للحمقى.. أول إبريل..
السنة: أية سنة لا فرق فالقصة تكرارية وذاك هو عنصر معانتها الأعنى وهل ثمة سنة ليس بها يوم عالمي للحمقى؟

وفي الموضوع:.

 

أبدأ من جدي الكبير

اعتاد جدي الكبير أن يتحمل حفر الكتابة على ظهره.. منذ أن ظهر جنسي في صورة اختراع ورق البردي وقدماء مصر يدعون العمل على ظهور أسلافي بلغتهم البديعة بكلمة معناها "حفر" أو "حرث".. ولا عجب فما يُكتَب عليّ هو حفر مسطور للتاريخ.. عمره أطول من عمر حافره.. كان المعلم يحمل اسم يماهي اسم الحارث لأن كلاهما يحرث: فأما الفلاح فيحرث على ظهر الأرض وأما المعلم فيحرث على ظهر الجدود من جنسي.. 
وتوثقت العلاقة بين جدودي وبين الكتبة والنساخ والمعلمين والعشرة مجلبة للمودة ولا أعشر من جلسة الكاتب منحنياً متقرفصاً  أمام "بيت اللوح" الذي هو لوح ظهر جدي محملقاً فيه حافراً في جلده جيئة وذهاباً بقلمه طيلة النهار.. كانوا يتعبون ويُتعِيون، ولكن...
كان تعبهم راحة.. لأنه، أي تعبهم الذي يتعبونني به، يخلد أسلافي فيما هم يخلدون ما حملوه على ظهورهم محفوراً في جلدهم..
ولأنه كان يجعل ثقات القوم يمسكونهم باحترام وتقدير وتوقير..
ولأنه كان يوظف من أجلهم فريق موظفين مربوظين على درجات الوظيفة الأميرية ليعتنوا بحفظهم بكل وقار وعمار في أرفف أنيقة..
كان للجد الكبير لجنسي شنة ورنة وقيمة وقامة وكرامة..

 

ليست قصة بعد

إلى هنا وقصتي ليست قصة ولا تزيد عن فصل من فصول كتب الحكمة، ولكن تقلبات الدهر ألقت بي في ختام الأزمان إلى أن أكون بطلاً لقصة قصيرة مريرة مستديمة متكررة قصة تتكرر يوماً واحداً في السنة ولكنها تتكرر بتكرار السنوات ولا يظهر أن الحال سيتغير مع طيلة دوام الزمن السرمد إلى حين يقضي خالق البرية قضاءه فيها وينهي زمنها الكئيب هذا..

ولما واتتني الفرصة لكتابة أمري أتعبني البحث عن موضع للقصص يحتويها حتى وصلتُ لكاتب هذه المجموعة الذي استضافها مشكوراً مع كلمة طيبة من جانبه أنه لا شكر على واجب وأنه مثلما وجد من ينشر له قصصه فهو مدين بنشر قصص غيره ولو من الباطن..

وستلاحظون أنه سيكتب اسمي بدقة، تليق بكونه من الغيورين على درجتهم العلمية، هكذا: "فُوولسْكاب".. ولكني أصر على كتابته هكذا "فلوزكاب" لأن هذا النطق والهجاء جميعاً أقرب لإحساس التجربة الشعورية لقصتي كما سيتضح لمن يواصل القراءة ممن وصلوا أصلاً للقراءة حتى هنا غير مبالين بإطالة المقدمة.. والآن قصتي القصيرة:

 

قصتي

قصتي شعارها هو اسمي.. فوولزكاب..

Fool'sCap
سموني بهذا الاسم لأن حجمي كورقة هو الأنسب لطويه في صورة "طرطور" وارتدائه في الحفلات الهازلة لمحاكاة منظر "العبيط." قل أو "الأحمق" قل..

ومن هنا عُرِف حجم الورقة الكافي لصنع هذا "الطرطور" بأنه فولسكاب  Fool's Cap

ولكن ينبغي الانتباه لِمَن يريد شراء رزمة ورق مِن حجمي ألا ينطقها صحيحةً وإلا ظنّه البائع "عبيطاً" يطلب الورق ليصنع به "طراطير"، فعلى من يريد شراء الورق أن يقول: "فلوزكاب" وبالفم الممتلئ حتى يحظى بالاحترام ويشتري ما يريد بكرامته وبافتخار البائع به أن له زبائن مثقفين..

 

أن مثلي من الورق حين يشتريه العاقل يكتب عليه ما يغرفه من دمه وأعصابه ويبقى عبر الزمن وانا ذاتي حين أقع في يد الأحمق فإنه يصنع مني طرطوراً لطيفاً يجعل الناس يضحكون ضحك السفاهة (الضحك أنواع تتناسب مع قيمة الضاحك ولكننا هنا مع ضحك "الطراطير" فهو ببعض المجاملة في الوصف "ضحك سفاهة")، فإذاً ذات الورقة، أنا أو أيُ من إخوتي، التي يُكتَب عليها عرق ودم وعصب الحكماء لتُحفَظ في أرفف المكتبات الكريمة هي ذاتها تصير طرطوراً يُضحِك السفهاء على سفيه قبل أن يلقوها عنه في الشارع..

 

الصورة هنا مفزعة التركيب،

وانا اصفها من واقع كونني أتحمل وطأتها التي تسلخ جلدي...

المفارقة تثير الانتباه: نفس الأداة تتحول لمخزن قيمة مع واحد وتتحول لقلّة قيمة مع آخر..

ليس بعدُ الأفدح والأنقح: فإن وجود صُنَّاع قلة القيمة لا يتوقَّف أمرهم على الهزل السمج فقط في تعاملهم معي، ولا على إتلاف مثائل بلا حصر لي دون نفع،

بل يتعدَّى ذلك لمرحلة الخطر على القيمة التي أحتضنها في صدري حين يكون نابغ ما قد سبق لي واستودعني كنوز ذهنه:

فإنهم حين لا يجدونني عاطلاً، من حيث سبق استعمال أحد العلماء لي، فإنهم لا يبالون بما أحمله من كلام له فيستعملونني بما هو مكتوب عليّ حتى يتلفونني معه..

والأخطر أنهم كلما كثروا يكثِّفون ضغط الرسالة السلبيّة التي تثبط من يكتبون شيئاً له قيمة.. وأنا اعلم أكثر من غيري بإحصاء الحال لأنني متفرغ له على وجهيه وأعرف أعداد الفرقاء وأثرهم المتراكم جيداً جداً، ومن يعرفه أكثر مني؟

 

ولما كان حالي هكذا بين كتابة بعرق ودموع ثم يوماً يعيدني واقعاً على أرض واقع البشر من فضاء التيه والزهو، فإننيكونت خبرة لا تتوفر لغيري صارت هذه الخبرة هي السطر النافع في قصة معاناتي والتي من أجلها رأساً عنيت بكتابة قصتي..

 

فلا يستخفَنّ واحد بالحماقة ويزهو بالذكاء كأنما حسم أمر التأهل للنهائيات.. فالنهاية أبعد مما يظن "الأذكياء"..

وعدوا معي سبعة مشاهد لمقاربة هزيمة أذكى الذكاء مقابل أهون الحماقة:

 

 

 

*  إن الحرب بين الذكاء والحماقة أو لأقل "الغباء" فهي كلمة أسهل وبنفس المعنى.... إنها حرب مردودة مترددة.. فمثلما يفسد الحمقى عمل الأذكياء فالأذكياء ينتقمون طبيعيّاً ويهزئون بالحمقى في النكات والأقوال المأثورة..

هل انتصر أو ينتصر او ثمة أمل لانتصار الأذكياء هكذا؟ اسألوني انا واشتروا مني... إنما النصر للحماقة دوماً!! لماذا؟ هذا سؤال لم يفكِّر الأغبياء والحمقى أنفسهم في إجابته رغم انهم هم المنتصرون، وإنما ديمومة انتصارهم هي أمر وجوديّ بحكم تعريف كيانهم..

وتفسيره بسيط ألا وهو أن الحماقة تجعل الأحمق أكثر غباوة من أن يعترف أنه في ناحية الأغبياء أصلاً، وبغير اعتراف حقيقي يداخل نفس المهزوم بهزيمته ويغلب عليه مكابرته فإنه لم ينهزم ولا حاز الذي يظن لنفسه النصر برهاناً على انتصاره..  هكذا فالحماقة تحصن نفسها بنفسها من الهزيمة لأنها تحتفظ ببرهان هزيمتها في قمقم دونه علاج الحماقة التي حار فيها حكماء التاريخ..

 

** أما حكماء الأذكياء، وليس جميعهم، فقد فهموا هذه العلة لهزيمتهم وأقرّوا أن انتصار الذكاء على الحماقة هو أن يقرّ الأحمق بغباوته أو الغبي بحماقته أو الأحمق الغبي بأنه غبي أحمق، وهذا ممتنع.. لو فعل ما كان وفسد تعريفه..

فلم يبقى للأذكياء إلا الغلبة في ميدان آخر وهو الغشّ والتحايل على الأغبياء لسرقتهم واستغلالهم، ولكن ليس كل الأذكياء أشرار، ولذلك انقسم البشر إلى ثلاثة: حمقى، وأذكياء أشرار يسرقون الحمقى، وأذكياء طيبين يكرههم الجميع: يكرههم الأذكياء الاشرار لأنهم يفضحون شرّهم، ويكرههم الحمقى لأنهم يقارنون بينهم وبين الأذكياء الأشرار فيجدون الأذكياء الأشرار يحبونهم ويعتبرونهم أذكياءً مثلهم ودوماً يشنّفون آذانهم بتكرار قولهم له:

"يا أذكياء يا علماء يا فهماء يا أفذاذ يا نوابغ يا جهابذ يا مصاقع يا من أعجزتم القواميس عن شمول وصف حكمتكم"

بينما الأذكياء الطيبون يكدرونهم دوماً بقولهم لهم "يا أغبياء يا حمقى استفيقوا"..

 

*** إذاً في خضم الحرب بين الأذكياء والحماقة هناك موقعة مثيرة في قلب الحرب هي مخادعة الأذكياء الأشرار الحمقى.. وهنا وفي قلب المواقع يتم اختطافي.. لأن آية ذلك الخداع من الأذكياء الأشرار للحمقى أنهم أقاموا يوماً للاحتفال بغنيمتهم من الحمقى هو هذا اليوم الفاتح لإبريل واللافف لي على رؤوس الحمقى أو الأذكياء الذين يهزئون بالحمقى.. وسواء هذا ام ذاك فالمىل واحد أنهم يلفونني على رؤوسهم قبلما يلقون بي في المزابل..

 

**** وتبقى هذه الثلاثيّة البشريّة التعسة قائمة طالما لم يفهم الحمقى أن الأذكياء الأشرار (وحاليّاً بعض الحمقى الغبياء الأشرار أيضاً) يخدعونهم ويقودونهم ويفتخرون على بعضهم البعض بعدد مريديهم وتابعيهم وطوع بنانهم من الحمقى...

 

***** والأنكت أن بعض الحمقى الأشرار (ربما بعض الحمقى طيبون لا أظلم الجميع وإن لم أتعرف على أولئك) القصد أن بعض الحمقى ممن يصدقون بقوة الأذكياء الأشرار الذين يخدعونهم فإذ يحسبون أنفسهم في مصاف الأذكياء فإنهم يتنافسون على خداع حمقى آخرين ليكون لهم أتباع مثلما للأذكياء...

 

***** وسيبقى الحال على ماهو عليه طالما لم يفهم الحمقى هذه الحقيقة وأنّى لهم ان يفهموا وهم .... غير أذكياء...

فهل ثمة ولو أمل نحيف للعلاج؟

بوزن خبرتي الغير القليلة بالشأن أعلن تأييدي لإجابة شاعر تعيس اعترف صريحاً بخلاصة الأمر:

لكل داء دواءُ يُستَطبّ به

إلا الحماقة أعيت من يداويها

ولو كان ثمة علاج لانشغلت بالبحث عنه إذ أنا أول المتضررين وما كنت لأنشغل بكتابة قصتي..

 

****** ولذلك، وإقراراً عالميّاً بانتصار الحمقى فهناك يوم احتفال دوليّ بهم:

هو هذا اليوم.. يوم معاناتي ويوم كتابة قصتي.. ضحكت أيما ضحك حينما اقترح أحد الأذكياء أن يقيموا يوماً للاحتفال بالأذكياءمثلما هناك يوم الحمقى العالمي.... هاهاها... كيف للأذكياء أن يحتفلوا بيوم لأنفسهم هل يتركهم الحمقى دون مزاجحمة إذ سيظنون حالها أن اليوم هو يومهم.

 

******* وبهذه النقطة فقد تمّ عدّ السبعة النقاط الموعود بها لتلخيص حال الحرب اليائسة ضد الحماقة.... ولولا أنني أكتب بدماء جديّتي فلعلّي كنتُ ختمتُ بدعابة، داعياً إياكم لتعداد النجوم للتأكد من أن الحساب صحيح وأنها سبع نجوم بالدقة الموعود بها تزيّن أحلى فولسكاب، ولكن ماذا أقول؟ أو كيف أختم، وأنا أكاد أرى من يعدّون النجوم في عز الظهر للتأكد من دقة حسابي، كيف أختم معكم إلا بكلمة تحية طيبة على صبركم لقراءة قصتي "يا أذكياء يا علماء يا فهماء يا أفذاذ يا نوابغ يا جهابذ يا مصاقع يا من أعجزتم القواميس عن شمول وصف حكمتكم"

فلوزكاب

 

 

ختام وسيط النشر (شخصي المتواضع)

انتهى ما تسلمته من قصة الأخ "فولسكاب" ولم أغير فيه إلا ضبط اللغة واستبدال بعض المفردات لتسويتها مع متوسط اللغة التي يستريح لها متوسط القراء ويستريح بالأكثر المخبرون من أهل الرقابة، على أنني أنوه أن الحقّ الأدبيّ محفوظ لصاحبها وأن أي مكسب ماديّ سأتحصّله من نشرها سأعيده له.....

تفسيرها بسيط يا جماعة هاشتري بيه ورق فولسكاب اكمل كتابة عليه.......



تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.