الجمعة، 5 مارس 2021

قواعد اللعبة (مجموعة "خداع بصر"- 12)

 

 

قواعد اللعبة

 

 

وقت طويل قضيته في كنز الأموال.. وشراء المؤسسات..

والاستحواذ على الاراضي.. وتشييد الأسواق والجراحات وكل المشروعات الممكنة  ذات الريع العالي..

 

امتدت ممتلكاتي لتغطي كل عواصم الشرق الأوسط والمدن الكبرى به..

 

الآن أحط في أي مكان دون خوف من حكومة أو هيئة ضرائب تقتنص مني القليل الذي أكسبه، ولا أي خوف من خلافه..

الآن أنا الذي املك وهم الذين يدفعون لي..

 

تبدو اللعبة مسلية؟

حقاً؟

 

لقد استنفدت جهدي ووقتي حتى لقد غدَت عندي بمثابة روتين ممل..

 

تسألني كيف تحصّلت على كل هذا؟

بسيطة.. ما إن تصل يدي لتمسك بمديون مفلس فأشتري منه كل ما يمتلك من مشاريع ذات عائد كبير بأقل القليل..

هذا او إعلان إفلاسه وخروجه من اللعبة..

الرحمة؟ هذه اللعبة لا تعرف الرحمة.. تفقد متعتها إذا دخلتها الرحمة.. هذه هي اصول اللعبة..

من يطلب الرحمة فليطلبها بعيداً.. وقديماً قيل:

"الذي يلعب الدح لا يقول أح"..

وأنا أزيد بالقول:

"تريد اللعب بالأموال والدخول في ساحة الاحتكار وتكون ملك المونوبولي،

إذاً فلا ترحم ولا تطلب الرحمة لنفسك"..

تلك هي الأصول.. أصول جمع الورق الملون.. وهل المال إلا ورق ملون؟

 

قال لي صديق ذات يوم عندما شاهد الأموال في يدي:

أنا أحسدك.. انت تمتلك بنك السعادة..

 

أحمق.. جاهل..

 

يقولون لمن يحمل المال إنه يحمل السعادة معه.. ولمن له بنك إنه بنك السعادة.. ليس صحيحاً..

ويقولون للناجح في هذا المضمار أنه يملك الحظ.. غير صحيح أيضاً..

 

قال لي: حظك حلو..

 

قلت له: حظ!!.. الحظ لعبة قديمة.. الآن المهارة هي مفتاح السعادة..

 

قال لي: أكيد انت سعيد..

 

فقلت: حتى لعبة السعادة زهقت منها..

 

تبيع لي هذا الجراج؟

لا يمكن.. انسى.. قاطعته بصرامة..

 

عندك كثير غيره..

 

لو لم يكن عندي ما كانت ثروتي قد نشأت أصلاً.. الكل أو لا شئ هي قاعدة اللعبة..

اصبر حتى أفلسك تماماً..

 

هذا ليس عدلاً..

 

قواعد اللعبة.. لعبة صفرية.. ما تكسبه أنت يخسره خصمك والعكس..يا ... صديقي!

 

 

هذا كان حواراً مع صديقي! صديق عمري! صديق طفولتي!

 

 

بعد إفلاسه طلب فرصة أُخرى فقلت له:

لا يمكن..

طلب سلفة فرفضت..

عاد ليقول: أنت تتحكم لأنك تملك البنك..

 

فتجاهلته وأنا اقول: لا وقت الآن.. فيما بعد..

 

 فمضى وملء عينيه الحسد على امتلاكي لبعض البنوك وضني عليه بما يريد من فرصة..

ويحسبني بسبب ذلك سعيداً أو محظوظاً..

 

قديماً كنت أمتلك ليس بنكاً بل بنوكاً..

حظ وسعادة.. مجرد كلمات زائفة..

ها أنا الآن بعد ان ضاعت أثمن اوقاتي بين الحظ المزعوم والسعادة التافهة..

كاسباً الجميع ولكن مبغضاً ومحسوداً من الجميع.. وهل مثل الحسد من بغضة؟

 

الحق أنه لا حظ ولا سعادة ذلك الذي يجعلك تقتني ممتلكات حتى أشقائك بله اصدقائك،

وبدم بارد..

 

 

الآن دور شقيقتي..

نعم شقيقتي ابنة أبي وأمي..

شقيقتي تمر بضائقة مالية..

وتتفاوض معي..

وأنا استولي على كل ما تحصل عليه من شقاء الفترة الماضية من مشاريع صغيرة في بيروت..

أشتري كل شئ بأقل من نصق ثمنه..

ولمن يفهم في التجارة فإن ثمنه هو قيمته الاسمية لا السوقية،

حيث أن قيمة ممتلكاتها السوقية أعلى أضعافً من قيمتها الاسمية..

ومع ذلك فأنا لا أشتري ولا حتى بالقيمة الاسمية بل بنصفها!!

 

وهي بين خيارين.. أن تقبل حتى تسدد قيمة غرامات متأخرة، أو تبقى في السجن..

 

ولمن لا يعرف السجن أشرح له.. السجن يعني أن تتوقف دورة الحياة لك.. أن تفوتك اللعبة..

أن لا تكسب ولا تخسر.. ولكن مجرد أنك لا تكسب فهذا خسارة..

 

وفي حالها هذا قبلت المسكينة  راضخة المعروض مني عليها..

قلت لها ضاحكاً وهي تسلم كل شئ:

كم مرة أقول خطئك أنك في بيروت ولهذا لا سماح لك..

كم مرة أقول لك: "لا اخوة بنات لي يذهبن لتلك المدن المنفتحة"..

قلة أدب!!

الآن جزاءك المستحق ها أنت تتسولين ومع ذلك لا تخرجين من السجن..

 

ما هذا الذي يصل بالإنسان إلى هذا الحد من القسوة مع لحمه ودمه؟

يقولون بالإنجليزية أن هذا هو المونوبولي.. لعبة احتكار كل شئ..

عندما تدور عجلتها لا يتوقف اللاعب عن الدوران معها.. يدور ويجمع ويخسر ويعود ليكسب ويحتكر..

ومهما خسر يبقى أمامه الأمل في المكسب.. وكل شئ حظ..

يدور ويدو دون هدوء أو تريث أو اعتبار لصداقة أو قرابة.. أو حتى لحق النفس على الواحد..

 

آه.. كم سحقت أصدقاء طفولة قريبين لنفسي.. وجيران.. وأقرباء..

والآن الدور على شقيقتي الصغرى لكي تذوق من الكأس..

لازالت المسكينة تتوسل!

ترجوني أن أسلفها ولو حتى بفائدة باهظة حتى لا تبيع ولا تبقى في السجن..

لقد تعطلت مشاعري التي تتوسل إليها..

 

تعود لتتوسل ولا تسمع مني إلا جملة واحدة:

"دفع غرامة السجن وفوقها بعض النقدية التي تيسر حالك  مقابل بيع كل ممتلكاتك في بيروت"..

 

لها مركن تافه في بيروت مع بعض البنايات، لا تجيد تنميتها،

وإنما معي سيكون وضع قدم لي هنالك وبمثابة أول الغيث..

هكذا سأضع أساساً لشبكة أعمال تغطي منطقة الشام الكبير كلها..

 

ولكن هل احتاج لممتلكات شقيقتي حقاً؟

بل أملك أضعافها..

ولكن هكذا هي اللعبة..

 

ولايزال شئ يغصّ في نفسي..

ليست مشاعري ولا احشائي التي تمزقها حالة أختي..

ليس خجلي من جفائي معها..

إنه الملل..

الضجر..

السام من كل شئ..

هو الملل الذي يُعمي الواحد ويدفعه لماتلاك كل شئ هرباً من أنيابه..

كنت أنظر لشقيقتي بسأم حين أتاني صوت أمي غاضباً..

 

ياااااااااااااااااااه..

 

لقد نسيتها..

قطعاً لن يعجبها الحال الذي وصلنا إليه..

 

هل أتت؟

هل سمعت شيئاً من حوارنا؟

داهية لو كان ذلك قد حدث..

لن تسامح فيه.. لن تسامح أبداً..

 

قلت لها مبتدراً:

طبعاً لا يعجبك الحال.. قليلاً ثم أتفرغ..

 

فردت الأم:

(أتدخل هنا بصلاحيات الكاتب، مستسمحاً القارئ، لتحويل لغة السرد للغة البلديّة الفُصحَى كما قيل مونولوج الأم بطلاقتها في هذه اللغة الدالّة):

كويس انك عارف.. لمّ بنك الزفت ده.. وقوم ذاكر..

وانتي يا مقصوفة الرقبة اخوكي وراه مذاكرة.. عنده ابتدائية..

قلت لك ميت مرة متعطليهوش ياكشي يفلح بدل ما يترفد من المدرسة ويفشل وياكل طوب!

كنتو شايفينا محوشين لكم الورثة؟

ده احنا بناكل بالعافية يا مقاصيف الرقبة مـنـِّك لها، هو احنا قاعدين لكم على 

بنك؟!


هناك تعليقان (2):

  1. الردود
    1. وهل اختلفت عن البداية؟ نفس جوهر المشاعر البشريّة في البيزنس هو نفسه في لعب الاطفال ومظنّة الفرق.... خداع بصر

      حذف

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.