الجمعة، 5 مارس 2021

كلوز أب (مجموعة "خداع بصر"- 13)

 

كلوز أب

 

 

القاعدة الغالبة أن القاصّ لا يكتب مقدمة لمتن قصته لاسيما القصيرة..

ولكن القاعدة الأغلب أن الكاتب لا يلتزم بقاعدة لم يضعها هو..

وبموجب الحقوق والواجبات الموكلة لي من المواد الحاكمة لدستور الإبداع، فسأكتب مقدمة لهذه القصة وتجربتها الشعورية..

في خضم أحداث سياسية أمنية عاصفة وحين كان وطني يعاني من قمة الاستقطاب الشعبي وقتها،

لم يتُه مني طفل الحس الأدبيّ الإنسانيّ في "مولد" الذعر والغَيّ وجحيم الدعايات والنيران الجاري وقتها..

رصدتُ، وما كان لإنسان ألا يرصد، مشهداً في مخيلتي أوقن أن له بدل المُعادِل الواقعيّ على الأرض عشرات..

ولم يمنعني من التعاطف الآسر معه في قضيته التي التقطَتْها هذه القصة أن الغلام الافتراضيّ يذهب في الناحية المخالفة

لقناعتي وضميري وخوفي على مستقبل وطني وكل شئ..

ولا عوقني هدير الرأي العام وقتها، ولا عوقني بالأكثر أن الرأي العام واقق الرأي الخاص لي!!

ولو فعل ما كنت "إنساناً فوق العادة" ولا حقيقاً بأنواط الإبداع الذي قلدنيه سلطان الكتابة..

 

ومن باب الأمانة الأدبية أفيد أنني قد سبق وعرضتُها على صفحتي الشخصية على فيسبوك وبعد ثوانٍ من كتابتها،

كما لا أنوي مسحها من هنالك لتشرها هنا ولا حذفها من هنا إن كان شرطاً لتسويغ نشر إخوتها،

لا أنوي ... إلا بطلب من الناشر فهذا حقه الذي أرجو ألا يستعمله، ويتكرم بتقديم السبت،

مع غير وعد مني بتقديم الأحد، فالكاتب الحر لا يقدم إلا إبداع كل الإبداع ولا شئ غير الإبداع..

 

ويلي نص القصة، كما كتبتها كما في سطر واحد تلقاءً، مع تغيير أسماء الشخوص والمواضع ليس إلا لتسويغها بما يوافق مذاقة لغة القَصَص..

(مع الاعتذار الواجب لجمهور القصص القصيرة المنيف على ما لا تخلو منه نبرة القصة من مسحة تنبيه وتوجيه،

لكون جمهورها الأول من عوام "فيسبوك"، أحسب عذري مقبولاً من كرم القارئ الذوّاق):

 

 

 

1)

كان يسير في طريقه لميدان "السفيرة عزيزة"، بالحي الراقي،

لبلحق بجولة من جولات الخطب تصوّرها تليفزيونات "المحيطة" و"الحوار"

ويقولون قناة أميركية أو انجليزيّة ستحضر وتصوّر  لا يجفظ إن كانت "سي بي سي" أم "بي سي سيط..

لا يهمّه من سيصوّر وإلى من سيذيع،

ولم يكن يفكر وهو يعدو تجاه العدويّة إلا في إدراك الموعد..

لم يبالِ بحذائي المتهرئ.. ولا بقميصي شبه الممزق والذي لم يُغسَل من شهور..

ولم يبالِ بذلك وهو حتماً سيزداد اتساخاً مع طوال وقوفي في الميدان،

فهو لا ينوي أن يذهب لكي يغادر، بل لكي يبقى ويهتف بعودة "الأمير" وضد من أزاحه ومن وقف مع من أزاحه..

لم يكن يفكر في التعب، ولا في طول الوقوف، فالقضايا الكبرى يستلزمها تعب كبير..

موضوع واحد في العموم كان يثير همه وهو متى ستنجح طلبة الفريق الذي يهتف معه؟

وهَمّ واحد وقتيّ كان يلهبه لكي يحث الخطى:

الحضور في الموعد هو ما يهمّه وألا يفوته الوجود وقت الخُطَب..

2)

في الطريق عبرَ بمظاهرة تهتف بحياة البطل وتحمل صور "الأمير" مشطوباً عليها بعلامة حمراء فتذكر قضيته..

وبصدق، لم يشعر بالحقد على أولئك، بل لعل فيهم من الخير والنفع ما فيهم..

وعند زياد ارتفاع هتافاتهم بسقوط الخرفان (وهو محسوب منهم) رفع عينه للسماء يدعو لاستمرارهم

لعل في هذا ما يضمن استمرار مظاهرات فريقه بالتبعية..

أجل حتى تبقى مظاهرات فريقه ناجحة ومستمرة، حتى لا يضيع الحق الذي ينشده..

3)

تعرّف بعض المتظاهرين ضد فريقه على هويّته من خط سيره، فلاحقوه بالهتافات:

"خروف جربان اهو... جاهل مش عارف شئ ورايح يقف مع الخرفان بقميص ممزق أهو"
"انت عارف انت هتودِّي البلد لفين يا معفن؟ روح الحق البرسيم قبل ما يخلص"..

 

نظر لهم بهزء واستعلاء مريرين، وأجاب لنفسه:

- نعم أنا أذهب هنالك لأنني معفن وقميصي ممزق.. بالطبظ أنتم لم تخطئوا في شئ.. هو كما تقولون..

وخروف أيضاَ، وهم لديهم برسيم وأنا ذاهب لآكله..

ولو كان عندكم برسيم كنت قعدت معكم..

وأما البلد إلى أين هي رائحة فهذا ما أعرفه أنا ولا تعرفونه أنتم.. ولو كنتم تعرفون أين البلد ما تكلمتم عليّ هكذا..

واستمر في طريقه..

4)

وصل في وقت ليس متأخراً إلى ميدان "السفيرة" المنشود فشكر ربه كثيراً،

وسجّل حضوره في دفتر عند أحد المنظِّمين الذي قال له هو يناوله ورقة بمئة جنيه:

- تأخرت هذه المرة،

فغمغم في الإجابة:

- المواصلات ممتنعة وأخذت الطريق سيراً،

فأجابه المنظِّم بنبرة لا تخلو من الخشونة والسخرية:

-  المواصلات أم أنت توفِّر وتسير - شكلك تبيت في مكان بغير ماء، لقد مدّ بعض الإخوة خرطوماً يمكنك الاستحمام منه،

ولكن ليس قبل انتهاء التراويح حتى تبقى وقت التصوير، وإلا..

أطرق برأسه موافقاً، ودخل لندسّ في التجمّع، وهو يدس، مع اندساسه بين الجمع، ورقة المئة الجنيهات في جيبه..

5)

بدا أحد الصيّاحين على المنصّة يصيح بخطبة لم يسمع منها ولم يستفق لها إلا على كلمة الصائح:

- نحن مع الأمير وإنّا ههنا مرابطون وفي موضعنا مربوطون ولن نغادر المكان وحتى في العيد فسنعيّد هنا..

سامعنا يا دكتاتور؟

لم يعرف صاحبنا معنىً لكلمة دكتاتور.. لعله بقصد "دكتور" أو لعلها تسمية لملك من ملوك ألف ليلة وليلة..

ولا هو يعرف إن كان "دكتاتور" هذا قد سمع الخطيب، ولم يهتم أن يسرح بخياله في تأثير الخطبة على "دكتاتور"؛

هو أصلاً يحب فخامة اسم "دكتاتور"، ورنين موسيقى الحروف تحمل أثراً لطيفاً في نفسه، الأبهى حتى من اسم "الأمير"..

وفكّر في نفسه أن "الأمير" و"الدكتاتور" أصدقاء على الأقل في قلبه، وأن شيئاً عظيماً مشتركاً بينهما، فكلامهما مجلبة لسروره..

لولاهما معاً لما كان هنا ولما كانت له فرصة لنصرة قضيته..

ومع هذه الفقرة السعيدة الموحية بالأمل عن عزم الجماعة الاستمرار في الاعتصام، بدأ صاحبنا يتمتم:

- يا رب إبق حماسة القوم، ولا تحبطهم، ولكن لا تحقق طلبتهم سريعاً،

فإنني أحتاج عدة مئات أخرى لكي أرمم سقف العشة في الحي العشوائي الذي أنا مدفون فيه،

ولكي أضمن بما يتبقى طعام عدة أيام تعيد لي بعض الصحة والأمل في مواصلة البقاء على قيد الحياة،

وحتى أقدر من ثمَّ أن أدعو لقيام ثورة ثالثة ورابعة.. يا رب العالمين

وشعر باستجابة السماء لدعائه مع قول الخطيب الصائح آااااااااااااااااامييييييين؛

ومع تأمين الجموع بدورهم من حوله قفزت دمعتان من عينيه لم يفت كاميرات القنوات المصوّرة أن ترصدهما كلوز أب!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.