السبت، 6 مارس 2021

ليس هو (مجموعة "خداع بصر"- 14)


 

ليس هوَ

 


من يتذكر الحملة الانتخابية التي جرت فيها مشكلة تسريب الصورة المُخِلّة،

وكيف ثبت بطلان الصورة بطريقتين لا بطريقة واحدة؟!!

 

في حملة انتخابية أحكام القيمة فيها أن الغش عيب بغيض إن خاب عن إصابة غرضه.. الكذب جريمة إن لم يفلح الكاذب في ترويجه..

الرجل الطيب هو من ينجح في تشويه خصمه الذي هو، أي الخصم، بدوره شرير طالما لم ينجح في حماية نفسه من التشويه..

 

في هذه البيئة من القيم الأخلاقية، صار اجتماع خطير لتلافي كارثة..

أحدهم سرّب صورة لرجل الحملة الانتخابية الكبير وهو في وضع مُخِلّ!!

الرجل هو رغم أن ليست كل ملامح وجهه ظاهرة..

 

إجراءات كثيرة للبحث عمن هو وراء التسريب ولكن هذا ليس هو ما ينبغي التركيز عليه الآن..

وإنما ما يتصدر المشهد في غرفة إدارة الحملة هو سياسة الرد..

 

تم استدعاء غرفة إدارة الازمات في الحملة..

تتكون من نائب كبير الحملة رئيساً تنفيذياً لها.. كبير المجموعة الأمنية.. سكرتير الحملة.. مدير اللجنة الإلكترونية.. وآخرين..

برز فوق كل الأقول اقتراح المدير الإلكتروني أن يتم على وجه السرعة خبير فوتوشوب فوق العادة،

ويمكن لذاك فحص الصورة والنظر في مطاعنها أو في اختراع مطاعن لها إن لزم..

 

في سرعة وخبرة تكلم خبير سوفتوير التصوير وأشار لنقطتين:

= البقعة الضوئية دي تحت ودنه ممكن تتفسر انها محاولة لإخفاء العلامة المميزة تحت ودن راجلكم..

--- فكرة مية مية..

= هنقول كمان إن في منحنى الأنف فيه تقطيع ودا عيب معروف عند المبتدئين في الفوتوشوب..

وقليلين اللي عندهم القدرة على تقدير تشابه المنحنيات واختلافها..

--- نقول

لكن لازم تنتبهوا إن دي مش هتقنع ناس كتير لأن الجبهة هي هي والشعر هو هو ولون الخد مشابه..

--- نبقى عملنا اللي علينا ومعانا حاجة نقولها امال هنسكت..

 

والتفت رئيس لجنة الازمات لسكرتيرها وقال:

--- شغلانتك دلوقت كل الناس على كلمة واحدة "مش هو اللي في الصورة"..

وترجع تقول لي عملت ايه في أسرع وقت..

 

وأشار له إشارة التنفيذ فانطلق السكرتير عالماً أين يذهب..

 

عاد رئيس لجنة الازمات ليتفاهم مع الخبير وسأله:

--- قلت لي فيه علامات تشابه لا سبيل للتغلب عليها..

فهل مافيش اي فرصة لنقط اختلاف أو تشكيك أكتر؟ ودي توازن دي؟

 

مازال الخبير ينظر لبعيد مفكراً،

وإذ ما زال وسط ترقب وتجهم وتوتر،

تكلم خبير سوفتوير التصوير بهدوء وقال:

= ممكن صورة زوجة الرجل الكبير تبعكم؟

--- ماذا؟ لماذا؟ ما هذا؟

= اسمعو الكلام بس.. انا باحاول اشوف حل سريع لأن محاولة انكار ان اللي في الصورة هو الراجل الكبير مش سهلة.ز

 

سرعان ما تصرفوا في صورة لزوجة رجل الحملة ومرشحها.. ارتسمت علامات الراحة على وجه خبير التصوير وقال:

= سياستنا هتكون إن اللي في صورة مع الراجل الكبير هي زوجته..

--- ازاي دا؟

= بصو كدة؟ هاخد صورة من زاوية معينة للسيدة الفاضلة هاصورها بنفسي في اسرع وقت..

هاحطها جنب الصورة المتسربة دي.. ولا واحد هيقدر ينكر إن دي هي دي..

من حسن الحظ ان كونتور الوجه متشابه والعينين مش ظاهرة..

 

لا وقت للأناة.. في وقت قليل كان خبير سوفتوير التصوير قد اصطحب فريق تصوير وتابع عدة زوايا حتى انتقى الصورة،

وعكف على لابتوب لوهلة قصيرة نسبياً، وعاد إلى غرفة إدارة الازمات المنعقدة 24 ساعة سبعة أيام لمواجهة هذه الأزمة..

 

جلس على شاشة مفتوحة وتحلق حوله رجال لجنة إدارة الازمات..

= زي ما انتو شايفين هانعرض الصورتين جنب بعض كدة، ونقول الراجل كان مع زوجته واللي سرب الصورة خادم خسيس.. ودمتم..

-- ابدااااع.. ازاي عملت دا؟

---- فكر شياطين..

----- تستاهل دماغك وزنها الماظ..

-- الباقي علينا.. دلوقت كل تليفزيون هيقول عيب دا خصمنا بيقود مجموعة حثالة بيدخلو بيوت الناس ويأجّروا الشغالين فيها،

واحنا مجتمع محافظ ومتدين ..... فين شرف الأسرة... مين يضمن بعد كدة مينيدخل غرفة نومه ويصوره بسفالة..

هنخلي اللي يمسك الصورة في ايده يتكسف من نفسه.. ومش بعيد اللي يظبطوه ماسكها يفرموه..

وان الاخلاق ماحركتش الناس عندنا اللي يحركها بطريقته..... وبدافع الاخلاق برضه..

هاتولي السكرتير..

---- مش موجود يا عمنا

-- طب هاشوف انا دي بنفسي مافيش وقت..

(واتصل بأحدهم)..

 

انطلقت آلة إعلام الحملة الجبارة ونجحت في ان تجعل عبارة "عيب اللي في الصورة دي مراته" على كل لسان..

 

في غرفة إدارة الأزمات أتى تقرير لجنة المتابعة والإحصاء:
------ تمام يا كبير.. الكل دلوقت في كل التلفزيونات وعلى كل القهاوي بكلمة واحدة

"عيب كدة دي مراته اللي في الصورة"..

خلاص وش الخصم بقى في الطين..

 

هش وجه كبير اللجنة وبش..

وانفرجت أساريره وهو يتمتم خلف كلمات البلاغ الآتي من لجنة المتابعة والإحصاء:

-- عيب كدة دي مراته اللي في الصورة عيب كدة دي مراته اللي في الصورة.....

 

قاطعه دخول سكرتير الحملة، وهو يحمل التليفون الذي كان يتلقى فيه هذا البلاغ:

== طمن عمنا.. احنا شغالين نار.. عملنا مقابلة تليفزيونية كبيرة.. وستفنا قبلها مع تجمعات ماهي فيها حبايبنا..

دلوقت الناس بدأت تلين وتقتنع إن اللي في الصورة مش هو..

 

كان رئيس اللجنة مازال يتمتم:

-- وش الخصم بقى في الطي... عيب دي مراته اللي في الصورة....

عندما داخله سكرتير اللجنة مرتبكاً

--- ... مش هو اللي في الصورة بدأت تشتغل..

 

شغوف القارئ بمصير المرشج الكبير..

نجح المرشح ونجحت المحاولتان معاً واختلطتا،

ضحك البعض لانتباههم لشئ ما، ولم ينتبه آخرون ولم يقتنع آخرون بما انتبه له الأولون، ولكن لا فرق،

وكل شئ يضيع عن الوعي في الزحام لاسيما المصحوب بالضجيج وديمومة الضجيج،

وقبل نسيان البشر لأقصوصة حملته، بقي من وقت لآخر يتردد "مش هو اللي في الصورة دي مراته اللي في الصورة"،

قبل أن يُبتلَع كل شئ في عز الضجيج ليزدحم بأشياء ثانية تتربّى في عزّه حتى يبتلعها بدورها... ولا يشبع الضجيج أبداً.... لا يشبع!!

"ليس هو ولكنها هي"... ولكن من يتذكّر؟! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.