الأربعاء، 3 مارس 2021

أوفرول أم بلوفر أم لا فرق؟ (مجموعة "خداع بصر"- 6)


"أوفرول"؟ أم "بلوفر"؟

أم لا فرق بينهما؟

 

 

 

     الرجل يموت.. يحاولون معه بكل الطرق الطبية.. آخر لحظة وعاها تركت في ذهنه صورة أصحاب معاطف بيضاء وحقن ذات إبر طويلة وخراطيم تقطر سوائل وتشفط سوائل وكلها تنتهي مغروسة في جسده، وكأن جسده محطة تنقية مياه مجاري..

 

     في غيابه عن الوعي عاد لوعيه.. هذه المرة هو في غرفة نومه.. أمام دولاب ملابسه.. يحاول خلع "أوفرول" العمل الضيق.. "الأوفرول" ضيق جداً هذه المرة.. أضيق كثيراً من المعتاد..

     عادةً ما يختنق وهو يخلعه بسبب ضيق ؤقبته أو عناد أحد الأزرار المستعصية على الفك مع تعجله في خلع "الأوفرول"،  فيختنق وهو ينزعه للخارج بجذبات خاطفة.. ولكن ليس كهذه المرة..

 

     يرى الأطباء يحاولون جذب جسده داخل "الأوفرول".. وهناك ملاك يحاول سحبه..

 

     لا.. ليس جسده هو الذي يُسحَب من "الأوفرول".. بل روحه تُسحَب.. وجسده هو "الأوفرول" نفسه..

 

     الآن الأمور اتضحت له.. ولأول مرة يجد القرار سهلاً.. ولأول مرة يتخذ قراره دون حيرة.. لقد تحالف مع الملاك.. يريد سحب روحه أسرع.. وكلما أعطى يده للملاك وتشبث بيده وسحب نفسه للخارج يأتي واحد من حملة الإبر والخراطيم ليشده للداخل..

 

     رغم عدم حيرته، ووضوح قراره إلا أنه لا يملك إملاء رأيه.. هو مستسلم ولا يملك إلا المحاولة بالرغبة.. يتوسل للملاك ألا يتوقف.. ولكنه لا يملك أن يملي إرادته.. يحاول أن يقنع أصحاب المعاطف البيضاء بالتوقف، ولكنه يشعر أن حتى مجرد التواصل بالرغبة معهم منقطع عنه..

فقط طريقه مع الملاك مفتوح لتبادل الخطاب.. ولكن مجرد خطاب إبداء رغبات..

 

     فكر أن يسأل الملاك:

     = لم لا يسحبه مرة واحدة؟

 

     ولكن وصلت لذهنه إجابة الملاك:

     @ دع هؤلاء يؤدون عملهم..

 

     = لم؟ وأنا أريد الذهاب معك؟

 

     @ هل تقدر أن تخبرهم برغبتك؟

 

     = لا.. أنا منقطع عن الوعي بالنسبة لهم

 

     @ فكم بالأكثر أنا؟ المنقطع عن عالمهم

 

     = وأنا أريد الانقطاع عنه مثلك..

    

     @ هل رأيت الجانب الآخر؟

 

     = لا.. ولكن عندما انسحب للخارج صحيح أشعر بألم ولكنه مصحوب بقوة احتمال أعظم مع سرور لم أعهده من قبل.. أما للداخل فأشعر كأنني اختنق.. أشعر بالحر.. بالعرق.. مثلما اخلع الثوب الضيق أتألم مع نسيم رطب يلطف الجسم العرقان، ولكن عندما ألبسه أختنق وأشعر بالحر مع الاختناق..

 

     @ دعهم يؤدون عملهم..

 

     = لا أريدهم أن يؤدونه..

 

     @ كل واحد ينبغي أن يؤدي عمله ولا يتدخل في عمل الآخر..

 

     = إن عملهم فيّ أنا..

 

     @ إذاً أخبرهم برفضك ان قدرت..

 

     = أليس لي حق في نفسي؟

 

     @ صاحب الأمر يتركهم ليؤدوا عملهم.. فبالأولى أنت لا تعترض..

 

     = فلمَ تسحبني للخارج من وقت لآخر طالما لا تمانع في عملهم؟

 

     @ أنا أكمل عملهم اكمالاً معكوساً.. عندما يتوقفون أبدأ أنا.. ألم تلعب تنس طاولة وتعرف كيف لا تقوم المباراة ولا تكتمل متعتها بغير الضربات المتعاكسة؟

 

      = فكيف تنتهي القصة؟

 

     @ أنت في الطريق طال الوقت أم قصر.. ولكن هل أنت متأكد أنك تفضل الجانب الآخر؟ أنت لم تره فكيف تختار؟

 

 

     ساد صمت داخليّ في المرض عندما وصل الحوار إلى هذه النقطة،

ولكن أفكاره لم تتوقف....... ولو أتيحت لأحد أجهزة هذا المحفل الخانق حولي أن تسجل أفكار هذه "الحالة" لكتبَت الآتي:

 

     &"أنا الآن مثلي عندما كنت أخلع "البلوفر" الثقيل الضيق الملتصق بجسدي المتصبب عرقاً بعد مباراة عنيفة في نهاية يوم مدرسيّ، وما أكاد أتنسم بعض الهواء الرطب المنعش لجسمي المبلل بالعرق اللزج إلا وأدرك أن كل ستراتي المنزلية وملابسي الداخلية معلقة على حبل الغسيل أو في الغسالة.. وهذا معناه أنني سأبقى عارياً لحينما تنشف إحدى قطع الملابس،أو اسرع بإعادة البلوفر بعدما تيقنت أنني لا أملك رفاهية نزعه وفضح عري جسدي لاسيما والمجهود تزلت حرارته عن جسدي والجو لم تهدأ برودته.. فأعاود صاغراً حشر نفسي في البلوفر المتعرِّق متحسراً على نسمة الهواء وأمل التمدد باسترخاء ومتردداً وأنا أعاود لبسه رغم معرفتي بعدم جدوى التردد وحسم الأمر.. سأبقى في "البلوفر" لحين أن يجهز شئ آخر..

     وتنقلني ذكريات خلع البلوفر المتسرع إلى مدروس اللغة الإنجليزية.. ولأول مرة أنتبه لمعنى الكلمات: "بلوفر" مثل "أوفرول" كلاهما يغطي كل ما تحته ويحكمه ولكنه ليس منه!! كلاهما خلعه سهل، ولكنه ليس سهلاً جداً في البرد.. وكلاهما over  بالزيادة..

     أنا الآن متردد.. متألم بالاختناق والحر والشد والجذب.. لا أعرف هل أخلع عن نفسي أم أعاود اللبس؟ ولو عرفت لا أقدر أن أنفذ اختياري.. عدم معرفة وعدم قدرة يعصرانني.. وأدوات طبيب ويد ملاك يؤرجحانني.. لا أملك أن يسمع الأطباء رأيي ولا سبيل لأقنع الملاك به.. انا في الانتظار لأني لا أملك إلا الانتظار !!!!"&

 

هكذا كان حديثه وقتها سيُكتَب لو كان لاختراع ما أن يترجم كلام الوعي الصامت.. وهنا تركنا لفترة لا يعلمها ولا نعملها منتظراً ومنتظرين مثله ما ستنتهي إليه المباراة،،،،،

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.