الخميس، 4 مارس 2021

كابوس الطفل وريث الأمجاد ("مجموعة "خداع بصر"- 9)

 

 

كابوس الطفل وريث الأمجاد

 

 

رغم جودة تربيته.. مصروف عليه.. فإن "مشمش" ظهرت عليه بوادر سلوك الـ "نوتي بوي" الطفل غير المهذب..

وعجز كثيرون من خبراء التربية على فهم علة ذلك..

أظن النقطة الفارقة في ذلك بدأت من هنا:

 

= "دادي" "دادي" "دادي" فيه متين سنة واقعين في السكة زيادة غير الستمية اللي بين جدو الستين وجدو الستاشر

-- جيل آخر زمن يا ولد انا كنت في سنك باخبط على باب الوالد الكريم قبل ما استجري ادخل..

= ماهو أنا عاوز اعرف كل حاجة انت عادد لي تلتمية حاجة وخمسين جيل من اجدادي العظماء لكن فيه فجوات في الأدلة..

--- كل اللي ورثته من جدك.. جراندبابا يا مشمش.. كل اللي ورثته منه من معرفة تاريخ أجيال العيلة قلتهولك، وانت هتقوله لولادك..

= و"جرانبا" اللي هو "دادي" بتاعك عرف منين؟

--- من "دادي" بتاعه اللي هو "جراند بابا" بتاعي يا سي مشمش..

= طب...

-- لا بقى هاهاها انا كنت قليل حيا صحيح زيك شكلك طالع لي هيهيهي وسألت ابويا لكن هو مكنش زيي... روح نام وراك مدرسة..

  

دخل "مشمش" طفل الأمجاد لسريره الوثير في غرفته المحلاة بألعاب غالية..

ومخيلته ثملة بخيال أمجاد العائلة عبر عشرات الجدود.. يشعل أوار خياله غريزة الأطفال في حب التملك الشامل لكل شئ من الأول للآخر..

لابد له أن يقتني في وعيه توثيقاً بكل تاريخ أمجاد عائلة المجد..

ونام..وزارته أحلام ما كان يترنح خياله بخدر سكرته..

رأى أولاً والده يقول له جيل آخر زمن أنت ورثت المجد مني وأنا ورثته من والدي الذي هو جدك..

 

وبتكرار آليّ شرع طفل المجد في السؤال: ومن أين .....

ولكن كأنما تخقيض تدريجيّ في صوت سؤاله "فيد آوت" سيطر على الـ"أوديو ستريم" في الحلم..

قبل أن تقطعه تماماً إيماءة من وجه والده المتوتر نوعاً،

إذ أشاح بوجهه ناحية صورة الجد المعلقة خلفه لأعلى..

ونزل جده من الصورة كبيراً مهيباً ابتلع صورة الأب من الحلم توتر طفل الامجاد في حضرة جده الذي لم يره في حياته..

سأله: من أين تسلمت قصة أمجاد العائلة يا حضرة جدي؟

فقال الجد بصوت مهيب:

--- من أبي العظيم الذي هو جد أبوك أو أبو جدك..

وبتكرار آليّ قال الطفل ولكن بلغة رصينة

أجبره عليها بهاء صورة جده وسطوة لغته:

= ومنين والدكم يا جدي العظيم عرف بتفاصيل أمجاد العيلة؟

فأجاب الجد بصوت تكلله ضحكة مستديمة معه، تحير طفل الأمجاد إن كانت هازئة أم راضية:

--- لم يكن جيلي يا ولد جريئاً مثل جيل أبيك ولا قليل الحياء مثل جيلك..

كانت تربية والد جدك أو جد والدك تربية بحق كلمة تربية..

كنت متربي يا صغير وما كنت لأجسر على سؤال أبي "ومن أين عرفت ما تسلمني إياه؟"..

 

استيقظ الطفل وجملة جده ترن كالإبر مُترجَمَةً في ذهنه بلغته الدارجة:

--- وهو انا كنت قليل أدب زيك علشان اسأل ابويا عرفت منين؟

 

وهكذا انقطع سلسال تحري طفل الأمجاد في طريق توثيقه لأمجاد أجيال العائلة عند أول جيل كان مهذباً ولا يسأل..

وصار من وقتها "نوتي بوي" كارهاً في وعيه العميق للتهذب... كراهية في عمق نفسه لأعمق من جينات جده الألف فيه،

ذلك التهذّب، المفرط في شكليّته، الذي وسم جيل الجد فقطع عليه تمكينه من التوثق من براهين مجد بقية الأجيال..

صار "مشمش" يحمل ثأراً ضد هذا الأدب الظاهريّ،

ولا عزاء لخبراء التربية وعلماء علم نفس الأطفال!



قضية القصيدة الليتوانية (مجموعة "خداع بصر"- 8)

 

 

 

قضية القصيدة الليتوانية

 

 

 

"ألف" و"باء" وجيم" ثلاثة أصحاب من هواة النقد الأدبيّ،

وطالما يلتقون على أحد مقاهي المثقين..

ذات يوم تجادل "ألف" وباء" على عملية التقليد الأدبيّ.. 

"ألف" ادعى إمكانية عمل تقليد محبوك بحيث لا يمكن اكتشاف خداعه من داخله قطّ، وبغير دليل خارجيّ أي معرفة مباشرة بصنع التقليد عن عمد فإن هناك تقليد ما يمكن صنعه يستحيل كشفه.. أما "باء" فرفض هكذا إمكانية مصمماً أنه لا تقليد محكماً قط طالما هو تقليد.. 

اتسع الخلاف بينهما فشط عن ساحة الأدب إلى استرجاع معرفتهما بالرياضيات والذكاء الاصطناعيّ، واستعدى "باء" براهين ألان تورنج وجودل وتشرش بينما صمم "ألف" ان الحالة الادبية مختلفة لما بها من عنصر حيويّ يفوق كل النظم الرقمية الميكانيكية المعتمدة على الرموز..

لم يهدأ الجدل إلا باحتكامهما لثالثهما "جيم" مع عقد رهان بينهما..

"ألف" سيكتب عملاً أدبياً ويدعي له أصل ما، ويعرضانه على "جيم" فإن نجح في اكتشاف أنه مزور أو نجح في إيجاد أي مصدر من معارفه يميز التلفيق في عمل "ألف" فإن "باء" يكسب الرهان وإلا فإن "ألف يكسبه..

بعد الاتفاق انطلق "ألف" لصومعته وانهمك في تدبيج أتحوفته التالية:

 

 

سيحدث.. قصيدة ليتوانية

مع مذكرة عن رحلة الكفاح من أجل ظهورها للنور

 

  في عقب الحرب العالمية الثانية برز نيبويشا كارازابافيسكي من مدرسة الشعر الليتواني الحر والذي انتمت كل مدرسته تقريباً للمدرسة الوجودية؟؟

ونُشِر لكارازابفيسكي ثلالثة دواوين: "العصر التالي"، "لا محالة"، وديوان "تجميع"، والديوان الثالث أتى ناقصاً لم يكتمل بسبب مرضه ووفاته، وحرصت على جمع اشتاتها زوجته الرفيقة لورساسيا إيزابيانوفيتشا والتي صرحت إنها نشرته لتحصل على ثمنها الذي احتاجت له.. وقد لاحظ بعض النقاد اختلاط في ترتيب أبيات بعض القصائد في القصيدة الواحدة، وتداخل في مقاطع القصائد معاً وعزوا ذلك للعمل غير الحصيف المتعجل للورساسيا إيزابيانوفيتشا والتي لم تكن تقرأ شعر زوجها كما قالت مرةً..

 

 ومن بين القصائد التسعة والثلاثين تقف قصيدة "سيحدث متى سيحدث سيحدث في كل مكان"، المنشورة في الديوان الثالث، منفردة لحالتها الوجودية الصارمة والعنفوان التي ابداها كارازابافيسكي على غير عادته وقد عُرِف بالاكثر بالاكتئاب والميل للصمت.. وبقيت هذه القصيدة بلا شك مثار الجذب الأبرز لاهتمام نقاد الأدب الليتواني الحديث بين كل قصائد كاتبها التي تفرقت على صفحات الدواوين الثلاثة، ولعلها هي التي أعطت كارازابفيسكي أهميته وقدمته للغرب دوناً عن رفاقه من مدرسة الشعر الوجودي الليتواني الحديث..

 

 وأبرز مميزات القصيدة التي أثارت إعجاب النقاد الغربيين هي خاتمتها الشهيرة التي استوحى منها الثوار اللاحقون فكرة عدم الفكاك أحياناً من لزوم معاقبة المظلوم بسبب نتائج عقاب الظالم التس سينتج عنها أحياناً حتماً تغيير حالة المظلوم ونقله لما يوجب عليه التخلص منه.. وهذه الحتمية الوجودية التعسة أحسن كارازابفيسكي التعبير عنها ببراعة لم تكن متوقعة مع اتجاه القصيدة الذي يعمٍّي قارئها مع مطلعها ويوهمه بحالة وجودية معتادة كئيبة حتى يفاجئه بنموذج فذ لماساة وجودية تلعب فيها الحتمية الدور الرئيس وتشمل المظلوم مع الظالم والبرئ مع المذنب شمولاً أصم عن الرحمة بلا شفقة..

 

 وننشر هنا في هذه الورقة ترجمة عربية للقصيدة قام بها الأستاذ سلامة عبد الموجود وقدمها أولاً لقصر ثقافة شلشمون في المهرجان الشعبي الثالث للاحتفال بمديرية التحرير، فرُفِضَت القصيدة لأسباب سياسية بسبب صراع الاستاذ عبد الموجود مع السعيد غريب عضو الاتحاد الاشتراكي وقتها.. وبقيت الترجمة حبيسة الادراج وقبل وفاة الاستاذ عبد الموجود بشهور قُدِّر لها أن ترى النور عندما دعته الإشتراكية الدولية التاسعة لإلقائها كنموذج غير متكرر للتعاون الافريقي الليتواني في الإبداع القصصي والشعر النابع من مبدأ الأدب للمجتمع.. وقد ضن القدر على مترجمها باحتفاله بها وهي ترى النور إذ كان طريح الفراش في مرضه الأخير، فقام بإلقائها بدلاً منه صديقه الفنان إحسان بدوي ولم يسمعها عبد الموجود الذي كان يصارع المرض الذي ذهبر به من دائرة الوجود إلى حيز خلود المجد..

   ومع القارئ فيما يلي نص الترجمة كاملاً:

  

"سيحدث متى سيحدث سيحدث في كل مكان"

للشاعر الليتواني كارازابفيسكي

من ديوان تجميع

نشرته الرفيقة لورساسيا إيزابيانوفيتشا زوجة الشاعر

ترجمة الاستاذ المناضل سلامة عبد الموجود

 

سيحدث

متى سيحدث؟

سيحدث في كل مكان

طبيعة الحدث تلزم بحدوثه في كل مكان

فقد ملأوا كل مكان

نظرت للطفل

لعينيه

عندما تنظر لواحد

أي واحد

فإنك تنظر لعينيه

اليس كذلك؟

نظرت لعينيه

وظهر فيهما كل ما يؤكد لي صحة موقفي

كان ينبغي النظر لفمه حيث يخرج الزعيق المزعج موضوع المعاناة

لا.. لعينيه

فإن فمه سينطلق بالصيحات عالية التردد

وعيني لا تحتمل رؤية ما يزعج أذني

وإلا فلماذا كنت اقدم أصلاً على ما سيحددث؟

 

سأفعل ما أنوي بقطعة حديد لها مقبض خشبي

وناحية من ناحيتيها أسن من الأُخرى كثيراً،ً

سأفعل مع كل أولئك الذين لم ترتفع سنينهم عن التاسعة

ولم تنخفض ترددات اصوات عويلهم عن العشرين بمقياس ديسيبل

 

بيت طويل ذلك الأسبق

أطول من المعتاد في القصيدة

وليس أطول من عويل أحدهم

 

ولكنْ منهم أطفال طيبون

منهم الهادئون الذين لا يصرخون

أليس كذلك يا نيبويشا؟

قلت للأحمق: هراء..

عندما أبدأ مع أولئك الزاعقين سيزعق جميعهم حتى الساكتين.

 

انتهت أتحوفة "ألف" وعاود قراءتها وتزايدت سمات الرضا على النفس على ملامحه مع كل سطر يقرأه..

وعاد به مستثاراً للمقهى.. معه قصة محكمة تحوي قصيدة ليتوانية..

 

= ها هي قصيدة ليتوانية مع قصة ترجمتها وكفاح الرفاق المتصلين بها للنجاح في نشرها..

تاريخ وشعر وسياسة في ثلث ساعة وأتحدى ان يقرأها أي واحد ولا يقتنع أنها كذلك،

لا فرق إن كان من الذين يحبون الشعر الليتواني أو من خصومه..

إن "جيم" في طريقه لنا وسنرى هل يتبين الخدعة فيها أم لا..

 

--- أرني..... هاهاها.. أنت طريف جداً يا عزيزي.. من تظن تخدع؟..

أولاً هي فعلاً ليست من الشعر الليتوانيّ، لأنها قصيدة مجرية ثورية شهيرة!!

ربما أنت نجحت في إحاطتها بتلفيق قصة لها مستعملاً  أسماءً معروفة ومغيراً أسماءً أخرى،

ولكن رهاننا ليس على تلفيق قصة في تاريخ الأدب وإنما على تلفيق عمل أدبيّ يستغفل تلفيقُه الجميع..

عمدة عملك هو القصيدة المجرية وهي قصيدة بالفعل ولم تلفق فيها شيئاً..

 

= أثبت ذلك!!

 

--- أثبت أنت أنك كاتبها..

 

= برهان أني كاتبها أنها لا أصل ليتوانياً لها..

 

--- قلت لك لأنها ليست ليتوانيّة فعلاً.. هي مجرية..

 

= تحاول بخِسّة الدفع بادعاءات كاذبة للتنصّل من الرهان/

بعدما تيقنت من خسارتك له.....

 

فيما  "ألف" يرغي ويزبد غضباً أتى "جيم"،

ولم يفهم ما علة الغضب واحتداد النقاش،

فلخص له "باء":

--- الفكرة أننا تراهننا أنا و"ألف" أنه سيخترع قصيدة يدعي أنها ليتوانية مترجمة،

 وسنرى إن كان يمكن كشفها أم أن المحاكاة ستُعجِز حتى الخبراء..

& أهذا هو الرهان؟

حسناً ولكن كيف أحكم في الرهان وقد كشفتَ لي الآن أنها ملفقة؟

--- لأنها ليست ملفقة.. هي قصيدة حقيقية مترجمة من المجرية..

= كذب هو يحاول التنصل من الرهان بادعاء يفسده..

& إليّ بالقصيدة...... رائعة أياً كان مؤلفها.. لي أصدقاء خبراء في أدب أوروبا الشرقية..

اتركاها لي وموعدنا بعد الغد قبل وقت الآن بساعة..

 

في الموعد جلس "ألف" و"باء" متحفزين الواحد ضد الآخر حتى أتى "جيم":

& اسمعا من الآخر..

أنت تخادع يا "باء" فليس هناك قصيدة مثل هذه من المجر..

تأكدتُّ من أصدقاء متخصصين..

= إذاً انا أفوز.

& لا.. لا دليل معك.. ربما القصيدة ليتوانية بالفعل وقد وجدتَها في موضع ما.. وربما لا.. لا يمكن حسم الأمر.. عجز أصدقائي الخبراء على الإفادة القاطعة بكونها ذات أصل ليتوانيّ ومن ثم بالأولى بكونها منحولة أم أصيلة..

= أذاً هذا مزيد من الأدلة على نجاحي.. لقد ترجمتُ ما عجز الخبراء عن حسمه..

& بحديث المنطق لا.. هل تملك دليلاً أنك أنت المؤلف؟

= كيف هذا؟ هذه ليست قصيدة ليتوانية.. إنها بادية التهريج..

--- إذاً أنت تهدم الرهان بنفسك!!

& صه يا "باء" أنا الحكم ولا كلام بدون إذن.. على أن كلامك صحيح..

طالما هي "تهريج" فليس هناك تقليد محكم..

--- هاهاها.. أنت تخسر يا "ألف" أيضاً..

= أعد لي قصيدتي..

& للأسف أخذها الناشر الذي رحب بها وأعتبر التعاقد على نشرها هو أجري على تحكيم الرهان!

قالها وترك "ألف" و"باء" في معضلة إثبات أي شئ !!

 

اختر حلمك (مجموعة "خداع بصر"- 7)

 


 

اختر حلمك

 


= ألا من طريقة للتخلص من الأحلام؟ الحلمين البغيضين إياهما أعنى يا دكتور!

--- لا تنم!! ولكن انتبه... حتى حين لا تنام لن تهرب من أحلام اليقظة..

ولكن أحلام اليقظة تحت تحكمك لا انت تحت تحكمهما..

= الحلمان لا يطاقان..

--- يمكنك الاختيار بينهما والتعامل مع واحد فقط ونصف البلاء أهون من البلاء كله..

= كيف.؟

--- غلِّب أحدهما على الآخر..

 

خرج مريض الأحلام لا يعلم من يراه إن كان ضعيف العقل والجسيد جميعاً،

أم هو يعمل ورديّة ليلية مضنية دائمة طبعت علاماتها على سحنته ومشيته!!

 

"لا تنم"؟!؟

مضحك هذا الطبيب!

"اغلب حلماً بالحلم الآخر"!؟!

كيف؟

وإن نجح مريضنا الحائر، فماذا يعمل مع الحلم الغالب الذي حين يتغلّب على الحلم الآخر فإنه حتماً سيستفرد به وييغلبه هو.. تساءل قلقاً!

 

ثم أي الحلمين يختار لكيما يغلب به الحلم الآخر؟

إنه يحلم بأنه يقتل واحداً لا يعرفه في الحقيقة ولا يحلم أنه يعرفه أصلاً في الحلم..

ويحلم أن واحداً يقتله.. لا يعرفه في الحقيقة ولكن يتعامل معه في الحلم معاملة المعروف لديه..

 

حل الطبيب طرح من الأسئلة أكثر مما اجاب..

ولكن لا ضير..

لا حاجة بعد لذاك الطبيب المتعب..

ولكن فكرة الطبيب استولت عليه قبل النوم، لاسيما وليس لديه حلاً آخر يفكر فيه..

ومجرد التفكير في اي شئ يبقيه على قيد اليقظة هو وقت مخصوم من عذاب الأحلام.ز

إنه مقبل على ليلة مريعة من ذينك الحلمين الخانقين..

فليواجه مصيره، وإن كان يستطيع تخفيضهما لحلم واحد فكيف؟

خطرت له فكرة.. سيحصر ذهنه في الحلمين قبل أن يغلبه النوم..

بدأت الافكار تتداعى: لا لم يخرف الطبيب تماماً..

نعم والواحد متيقظ يحكم التفكير في أحلامه عكسها وهو نائم حين تقوه هي دون رأي له..

الآن هو متيقظ وسيد أحلامه.. سيحدد قراره الآن قبل الدخول للنوم ويحدد أي الحلمين ينحاز له وأيهما يتخلص منه..

يكون قاتلاً أم مقتولاً في أحلامه؟ هذا هو السؤال!

غاص في سريره يوازن بين الحلمين ويقارن بعمق وعنف حتى غلبه النوم ولم يصل لقرار..

 

ولم يكن لديه وقت لمعاودة النظر في أي قرار لأن جثمان الرجل القتيل لا يزال يتحرك،

وعليه أن يجهز عليه بالفأس على جمجمته..

هذه أسهل طريقة.. هو يبحث عن الطريقة السهلة ويتعجّل دائماً وهو يحاول قتله،

لأنه لا يحب أن يرى قتيله في منظره هو حينما يواجه قاتله الدائم..

 

الآن لأول مرة يجتمع الرجلان معاً: قاتله وقتيله..

الرجل القاتل الذي يطارده يلوح في الأفق، وهو لم ينتهِ من أمر الرجل القتيل بعد..

 

مع اقتراب قاتله منه أتته لقطة الخلاص!!

استدعى كل مرات الأحلام السابقة.. نفس مشهد الوجه البارد ونفس توسله له بتركه وأنفاسه تنهج أو تنكتم..

نفس تفكيره الحاد هل يموت باختناق أنفاسه أم في سلاج اللقات السريعة في يد قاتله الرحمة من عذاب انعدام التنفس؟

نفس التكرار في كل مرة.. القاتل لا يغير قراره أبداً..

يعذبه بتركه للحيرة بين الموت اختناقاً أو تلقِّي الرصاص،

وهو بذات الوجه البارد الصامت..

كل مرة هكذا في كل حلم.. تكرار ممل داخل الحلم..

وهنا أتاه الخلاص!!

استدعاء الحلم في الحلم يُنبِّه الواحد أنه يحلم والحلم له نهاية إذ هو حلم نوم،

والمعرفة تدعو للترقّب، وترقّب النهاية أمل، والأمل في الخلاص خلاص..

تكاثُفٌ استدعاء سابق أحلامه في هذا الحلم، إن كان حلماً، هو لا يدري، جعله يتذكر شيئاً خارج الأحلام فيه تمام الخلاص..

في كل مرة يغمض عينيه ليواجه أيهما أسرع، هل يختنق أن ينزف بالرصاص، فإنه يصحو..

منطقيّ! طالما يتكرر المشهد إذاً له نهاية.. النهاية ليست له لأنه يكرر المشهد ولكن النهاية للمشهد المرعب ذاته..

تكاثف مشاهد الأحلام السابقة ذكّره بنهايتها.. تذكر الصحو وهو في الحلم.. هناك أمل هناك صحو حتى لو كان في الحلم إن كان  في حلم..

هو لا يدري.. ولكنه يتذكر أنه في كل مرة كان ينهي الحلم بنجاحه في تحريك يده لأعلى.. يقوم بعدها..

بل وقبلها كان تحريك يده يبعث تخديراً مخففاً لألم اختناق أنفاسه..

ليحرك يده وليضف لها ابتسامة الهزء بالقاتل إذاً..

 

ثقلت يده بشئ وهو يحاول رفعها للتلويح لقاتله لأول مرة مستهزئاً قبل ان يفلت منه بالصحو..

آه.. الفأس الذي كان يزمع تحطيم رأس قتيله به..

شعر أن الفأس ثقيل.. ثقيل جداً.. لا يتركه يحرك يده ليخفف من عذاب كتمان أنفاسه..

ليلقه.. ليلقه ويحرك يده ويهزأ بقاتله..

ولكن تركه ليس سهلاً.. كان مندفعاً للإجهاز على قتيله رحمةً به..

ومعبأً بتلك الرغبة المركبة بين قتله ورحمته كانت يده تمسك الفأس بقوة..

ولكن ينبغي ان يلقيه عنه.. ربما بيد حرة يستطيع مداواة قتيله قبل ان يلفظ أنفاسه..

 

صار كل تركيزه في تحرير يده..

سيداوي قتيله وسيبهزأ بقاتله وسينهي الحلم.. ويستعيد تجربة صحوه..

ولكن كيف ستكون هذه المرة؟

هل ستكون بعذاب الضمير المعتاد بعد حلم القتيل ما دفعه للطبيب؟

أم بالابتهاج بالنجاة من شر القاتل بعد انتهاء حلم الأخير ذاك؟

 

يا للخلاص.. الاختيار الصحيح..

حلم القاتل ينتهي بالحياة، وبالسرور بها، وبالارتياح بانتهاء شر ما قبلها..

وحلم القتيل هو ما قاده معذباً حتى الطبيب المتعب..

 

تمسك بهذا الاختيار وهو يسأل نفسه:

هل أنا لا أزال يقظاً أحاول أخذ قراري؟

أم أنني في حلم سينتهي واخرج منه ظافراً بمعرفة الاختيار الصحي؟!

المهم أنني في الطريق الصحيح.. وابتسم وهو يقول لنفسه:

= انتصرت!

ولا خوف من عذاب الأحلام بعد الآن....

المعذبون لا يبتسمون.




تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.