السبت، 6 مارس 2021

إجابة المجنون التي عصفت بسؤال العاقل (مجموعة "خداع بصر"- 16)


إجابة المجنون

التي عصفت بسؤال العاقل !!

 

.

الشخص الرئيس في هذه القصة إذا ما وصفه واحد فوصفه أنه "سيد العاقلين"..

ربنا "مكمله بعقله" كما اشتهر..  أو "عقلاني" كما يدعوه المتحذلقون..

وأخيراً "دماغه يزن بلداً" كما صار يُقال عليه في عمله..

لا يصنع شيئاً إلا بعدما يحسب جدواه.. لا يضع قدمه في طريق إلا بعدما يعلم بآخره..

لا يدخل إلا وهو يملك المخرج..

لم يدخن فالتدخين عمل غير العقلاء.. لم يشرب خمراً فالخمر يُذهِب الوعي والوعي هو أوكسجين العقل..

ولم يكن عقله زينة فقط بل كان مجلبة للربح..

ناجح في عمله موثوق به في وظيفته بعدما ختم دراسته للإدارة بتفوق ملحوظ،

ولم يكن ذلك لكفاءة وصبر على المذاكرة كحال المتفوقين ولكن لأنه اختار تخصصه الدراسي بالعقل..

اختار ما يسهل عليه استيعابه ويُتاح له إنجازه،

ويعتمد في تقدمه في سيرته المهنية فيه على علاقات المصالح التي هي صنو للعقل..

حتى يقولون على العاقل إنه يعرف مصلحته ويقولون على العارف لمصلحته إنه عاقل..

 

عقل عقل عقل.. دماغ يزن بلد هو دماغ هذا المدير العاقل..

لا غرابة أن شخص القصة هذا امتلأ بالزهو والتيه والخيلاء والغرور والصلف والعجرفة بعقله،

حتى عجزت القواميس عن ملاحقة وصف علاقته بعقله..

ولم لا؟ وهو يزينه بين الناس ويملأ حساباته بالأرقام،

ولولا أنه عاقل لملأ جيوبه بالمال ولكن عقله يوجهه لناحية أرقام الحسابات البنكية ويمنعه من حشو جيوبه بأوراق النقد لغير علة..

 

ومع تزايد نجاحه الرتيب تزايدت منغصات البيت من معاندة امرأته..

ولكن هكذا النساء فاقدات للعقل ولم يكن لمثله من العقلانيين أن يتزوج..

ولكن هل يوفر جهداً لاسترضاء امرأة حتى لو كانت امرأته؟

بطبيعته التفت للأمور التي لها جدوى والتي يمكن استثمار عقله فيها،

لا وقت لاسترضاء نزق النساء ولا جدوى حتى من معرفة علة ضيقها فدائماً ما ستنجح في الدفع بعلل متضاربة..

وبقي على هذا الحال حتى الآن لسنوات.. وراءه ما يشغله عن هكذا تفاهات من عمل وسمعة...

بل الآن تنفتح مجالات جديدة مثيرة دقيقة تحتاج لكل الركزان والرجحان اللذان هو سيدهما باعتباره سيد العقل.....

 

فمن مجالب عقله له أنه حظي بدعوة لاعتلاء منصة مؤتمر "إعداد القادة" في أحد مهرجانات الحياة..

وبذات عقله أدرك اتجاه المؤتمر أنه للدعاية للحزب الجديد الذي يكتسح السياسة في عصره،

والذي يعلم بفطنته العاقلة أو عقله الفطن أنه لن يستديم له الحال..

فأعدّ كلمة محسوبة تجعله مقبولاً من الاتجاه الجديد،

ولكنها لا تجعله مرفوضاً من الاتجاه "الأجدّ" الذي قد يعصف بالجديد ويجعله قديماً..

وبالمرة لقد جعل الكلمة فرصة لإعلان انتصاره الشخصيّ..

سيجعل الكلمة عن "العقل" وكيفية استعماله..

لقد حسده معارفه على دعوته لهذا المؤتمر ولاسيما إعطائه فرصة الكلمة الرئيسة به!!

ولقد عدّ هو هذا هو نقطة الانتصار العظمى لعقله..

فالحال السياسيّ مشحون وممتلئ بتنغيص الفرقاء بعضهم على بعض،

ولم يحظ شئ واحد بالقبول من الجميع ولا باتفاق الشهادة الواحدة على أي شئ واحد إلا هو.. الجميع أقرّ له برجحان العقل..

لذلك كانت فكرته أنه سيكرِّس هذه اللقطة النادرة بمحاضرته عن العقل ليثبت ضمناً،

أو في الواقع صريحاً وإن لم يُصرِّح باللفظ، أنه هو سيد العقل في زمنه ..

 

في طريقه للمؤتمر ارتدى حلة لامعة لا أقل منها من أرباح عقله وفي سيارة فارهة اقتناها بعقله،

وهو في طريقه كان اليوم عاصفاً..

أحسن عمله وأبدع في محاضرته وتلقى ركام التهاني والتقريظ، ولكن كلمة وسط كلمات التهنئة من رجل "مهم" لم تفت عقله..

كلمة عن زوجته قيلت له من أحد المهنئين "المهمين" القريبي الصلة ببيئة عمله أيضاً!!!

المعترك ليس سهلاً كما ظن والأسلحة المباحة فيه بلا قاعدة تحريم..

 

منذ كان المؤتمر لم ينته بعد ومنذ التقط بعض الإشارات وهو يفكر بعمق!!

 الموضوع ليس مفروشاً بورق الورد ولكن بشوكه.. ولكن لهذا خُلِق العقل..

هناك كلام وراء الكلام، وليس أفضل قرار هو الانسحاب، ولكن الانسحاب بطريقة لا تداخلها الخسائر وياحبذا ألا تضيع بها المكاسب..

إنهم يدخلون البيوت ويعرفون زملاء العمل ويحيطون بكل شئ.. الانسحاب صمتاً يفتح ثقوب التأويلات وكلها سيكون سلبياً..

الحل هو إعلان موقف الانسحاب الذي يحتاج الاعتذار بعذر صائب، وهذا هو التحدي.. ماذا يكون عذره للانسحاب؟

لن يعجز عن التفكير فموقفه قويّ وعقله أقوى.. قليل من التفكير ويعيد ضبط مسار الأمور..

 

وفي عودته كان أمر العاصفة قد اشتد جداً جداً وغام الجوء وزاد على عتمة الليل عتمة العاصفة..

وفيما يقود سيارته بتريث عائداً انفجر أحد إطارات السيارة الفارهة بفعل خازوق مدبب أطاحت به هوجاء العاصفة..

نزل الرجل بهدوء فهو لم يكن فتىً مدللاً ولا هزيلاً فشرع بجد في استبدال الإطار..

إنه حسن الحظ بلا شك، هكذا فكّر،

فصحيح أن الحلة الفاخرة ستتسخ ولكنه في طريق العودة وفي جوهر تعتيم ظلام الليل الساتر فلا ضير كبير في الأمر..

بدأ بفك الإطار التالف واحال مساميره إلى "عتلة" وجدها قائمة على الرصيف القريب،

وأتى بالإطار البديل وهو يتحسس طريقه في ضوء بطارية احتياطية كان يحفظها في السيارة،

بحسابات عقله الفذّ الذي يتحوذط لكل شئ..

ولكن،،،،،،

في طريقه للمسامير وإذ هو يوجه الضوء تجاه العتلة التي رصّ مسامير غطار سيارته الفارهة

التي اقتناها بفضل من أفضال عقله عليه، في طريقه للمسامير والضوء الضئيل يعمل بالكاد عليها وحدها،

عثر في خازوق آخر في الطريق فحاول حفظ توازنه بالإمساك بالعتلة التي عليها المسامير فاهتزت تلك وانتشكت المسامير..

الضوء الخافت معه صار يدور في قارعة الطريق بحثاً عنها فلم يجدها،

ولكنه وجد بالوعة مفتوحة وعبثاً حاول غير مرة حتى انتهى للاقتناع أنه إما ذهبت المسامير في البالوعة،

أو اختبأت خلف عوارض الطريق الذي زادتها العاصفة خراباً..

 

ماذا يفعل سيد العقل؟

لا يدري كيف يحل الموقف.. لا أحد لا حلّ لا فرصة للبقاء خارج السيارة ولا فرصة للبقاء داخلها مع هذه العاصفة اللعينة..

جل ببصره كأي عاقل عادي في المباني المجاورة لعله يجد ملجأً فوجد أن الطريق كله ليس به إلا قصراً يبدو قديماً ولا يسر الناظر..

اقترب منه فوجد على بابه لافتة مل نحاسها من النقش المكحفور فيها والذي كان يقول:

"بيمارستان مستشفى الامراض العقلية"

 

هاهاها.. ضحك سيد العقلاء.. فلقد قادته عوارض الدهر إلى ان يحتمي بمقر المجانين..

ولكن لا مناص مما ليس منه مناص.. دفع الباب فوجده مربوطاً بسلسلة طويلة لا تمنع من حركته لمساحة ليست بقليلة..

ودلف من المساحة الواسعة بين ناحيتي الباب بعدما انحنى لأسفل حتى يعتبر من تحت السلسلة..

وسار في حديقة قصر الـ"مورستان" بضوء بطاريته حتى وصل لبوابة المبني الداخليّ وطرقه..

بعد قليل فتح له أحدهم وليس إلا بعد قليل من التفاهم حتى أدخله.. فلا إشكال ولا خطر..

الرجل مهم ومعه ما يفيد أهميته والظرف خاص والعاصفة خطيرة ولا مانع من ايتضافته حتى الصباح حتى يجد وسيلة للنجدة..

 

وما كان على الحارس إزاء إلحاح الضيف وهيبة سيمائه ولهجة ثقته إلا أنه أيقظ الطبيب المناوب

والذي سمح له بالدخول وعرض عليه البيات على أريكة ليست متعبة نوعاً في ردهة واسعة

ولكن حذره أن المجانين ليسو محبوسين في غرف مغلقة وقد يخرج بعضهم ليلاً ليسير في أرجاء الردهة..

وتمدد رجل العقل على أريكة مستشفى المجانين، وهو يتعجب من هذه المفارقة..

إنه الآن بين كل من هم عكسه، وما هو عكس ما يتمتع به من عقل إلا الجنون؟

وانتابته رجفة حين تذكر أن الجنون مرض معدٍ،

ولكنه ابتسم بسخرية من نفسه فهو لا ينوي أن يقيم في العنابر..

 

ساعة مملة أو نحوها فشل في النوم فيها ظهر رجل يسير في الردهة المؤدية للصالة التي يجلس فيها رجل العقل ويحاول النوم عبثاً..

في الملل يكون أي شئ متحرك بمثابة ليمونة في بلد يتفشى فيها القرف..

تحرّك بصر رجل العقل مع ساكن مستشفى المجانين المتحرك أمامه وتلاقت أعينهم عبر الضوء الخافت المتاح،

فكانت كأنها قوة جذب أوصلت ساكن المستشفى لضيفها..

 

بادر رجل العقل بالكلام، وكيف لا وهو المدير العاقل الذي بيده مقاليد إدارة دفة أي لقاء:

 

--- عفواً ازعجتكم بزيارتي.. حضرتك طبيب هنا؟

= حضرتك الضيف أنت تقول من أنت أولاً هكذا تجري الأمور..

--- كلام عاقل.. أنا فلان الفلاني.. أعمل مديراً بمؤسسة كذا..

 كلامك طيب تقول إن كلامي عاقل.. أي عقل يا ضيف هل تعلم أين أنت هنا؟

--- أعلم نعم (قالها بابتسامة مبتورة).. والواحد يقدر أن عملكم متعب جداً.. ربنا يعينكم يا دكتُر..

= دكتر دكتر!! أنت تجاملني لأنك تخجل أن تدعوني ممرضاً.. أليس كذلك؟

--- هاهاها لا أبداً.. الممرض الخبرة يفوق الطبيب.. عفواً يا "باشمتمرجي"

= هل قلت لك إني ممرض؟

 

 

انعقد لسان رجل العقل والإدارة مرة ثانية وبدأ يشك أنه يكلم مجنوناً حقيقياً رغم غرابة ذلك،

ووجد أن الأصوب هو التنصل من محاولة معرفة هوية رفيقه..

وقرر أن يتحاشى استعمال أي لقب أو صفة.. هذا أريح..

ليلة وآخرها صبح ويرحل من هذا المأزق الاضطراريّ العارض..

 

ساد الصمت كما لا يليق بين اثنين ينفردان في قاعة كبيرة في ظلمة الليل تحت وقع صوت العاصفة..

بدا لنزيل المستشفى أنه "ذوق" ولم يرضّ بحالة الحرج التي فيها ضيف المستشفى فبادر هو ببدء الحديث:

 = حرتك ضيفنا أرجو أن يكون مقامك هنا مريحاً لحين حل مشكلتك..

--- مشكلة طارئة بسيطة محلولة غداً لا إشكال..

= صحيح.. أي مشكلة بسيطة طالما لست رب أسرة وتحمل هم امراة وأولاد او حتى امرأة فقط..

 

شعر رجل العقل أن حواره لا ضير منه بل التمس به بعض الطرافة المريحة فقرر عدم صد نزيل المستشفى،

إنه ليس منافساً في شئ والتنفيس معه لا يخلو من فائدة فاجاب متباسطاً:

--- هاهاها مشاكل الأسرة تلك في كل مكان ولا تستوجب القلق.. تلك مشاكل يلقيها العقلاء خلف ظهورهم..

= وانت مثلهم؟

--- يقيناً.. لا وقت عندي لتفاهات مشاكل النساء، كل مشاكل الواحدة منهن سيان،

لا مشكلة أصلاً مجرد غموض تافه شعاره قولها "لو كنت تهتم كنت عرفت من نفسك"،

تلك مشاكل لا وقت لها عندي وألقيها بجدارة خلف ظهري..

= تماماً.. تلك هي رأس المشكلة..

اجبرت لغة نزيل المستشفى رجل العقل على الاستفاقة ووجد نفسه يقول بجدية كمن يشغف بالتفسير:

--- ماذا تقول؟

= عندما تلقي المشكلة خلف ظهرك فقدت أمانك وصار ظهرك بغير حماية فيما أنت تواجه المشاكل القائمة أمام صدرك وبطنك..

هل هذا عقل؟

--- دعنا من هذا السفه النسويّ.. المشاكل الواجبة العناية ليست بقليلة..

هل تعلم أني عائد تواً من داهبة كبيرة ورطني البعض فيها ولازلت أفكر في عذر لا أخسر به لأتنصّل من هكذا ورطة؟

= ....

 

عندما وصل رجل العقل لهذه النقطة من الحوار وجد أن صمت الرجل النزيل كأنما أجبره على الاسترسال في تفسير أمره،

إذ لم يحتمل أن يظهر بصورة الاستعلاء إزاء ذوق ولباقة محاوره.... فأكمل شارحاً باختصار:

--- القصة دون إزعاجك بالتفاصيل أني اندمجت في عمل واعد لخدمة الوطن،

 ولكن الحروب الشخصية فيه أكثر من الحزبية التي ليست هي أصلاً بهينة..

والآن أنا في موقف أظن الاوفق فيه ان أتوقف أو أتراجع ولكن بغير إتاحة أية فرصة لأي تأويل مصطنع أو تفسير مغرض..

 

تمتم رجل مستشفى المجانين بنبرة جادة هادئة ملؤها التحرّي، كأنما عالم يفحص عيّنة:

= وماذا تنوي ان تعمل لتقلل الخسائر المحتملة في هذا الموقف الدقيق؟

 

تحول رجل العقل إلى نبرة تباهٍ شعر بغرابتها أنها في تحدٍ لرجل لا يتبين بعد أمجنون هو أم ممرض مجانين،

ولكنه وجدها تلقائية داخله وهو يجيب محاوره نزيل مستشفى المجانين على أي صفةٍ كان:

--- حلها بسيط.. سأخلو لنفسي قليلاً وأجد حلاً لا شك يعظم المكاسب وليس فقط يقلل الخسائر،

فأنا حقيق بذلك وقادر عليه.. أفكر أن أدعو لعمل جديد أجمع له فريقاً جديداً مع طرح شعار جديد يقلب الطاولة على الجميع..

هذا أجدى الحلول..

 

انطلق رجل المستشفى في جملة واحدة كثف فيها حكمته الباطنة في غلاف من نبرة الجنون الظاهر، كأنما عن عمد وعن اعتياد المدرس مع تلاميذ لا يتعلمون من المرة الأولى:

= تقول "أجدى"؟ أيهما أجدى حين تواجه مشكلة؟ أن تزيد زحام أرصدتك برصيد جديد يعقد مشكلة إدارة الأرصدة وكل رصيد جديد يدخل بمشاكل جديدة؟ أم تعيد توزيعها فتحل مشاكل بغزاحة ؤصيد من مكان غير مناسب له وتحل مشاكل بوضع الرصيد في مكان يحتاجه وكله مكسب؟! فبدلاً من أن يكون الشئ سبب لمشكلتين ثلاثة فتضيف عليه شيئاً يجعلهما خمسة مشاكل أو ستة حرّك الأشياء المتاحة وحل المشاكل بتحريك الشئ بدلاً من تركه قابعاً وإضافة جديد عليه.. أليس كذلك؟

 

انتهى رجل المستشفى من جملته في نفس واحد بطلاقة، فاجابه رحل العقل أسير العاصفة:

--- هه؟

= أفسّر باللغة البلديّة:

تأخذ من طاقية هذا وتلبس ذاك أم تشتري طواقي جديدة في حين أن لديك مشكلة وقت ومشكلة تمويل ومشكلة تخزين للطواقي؟

--- فليكن.. أعيد توزيع الارصدة ولكن أين الأرصدة التي أوزعها لأحل مشكلة هذه الورطة؟

= كنا فيها منذ قليل..

مشكلتك مع زوجتك أياً كانت ودون ان أعرفها تحل مشكلتك مع رفاقك في العمل والمعترك السياسي دون أن أعرفها بدورها..

--- كيف؟

= أياً كانت علل غضب زوجتك العزيزة التي تصفها بأنها كلها سيان،

هل تظن أنها تمانع أن تختر لها المشكلة طالما ستقدم معها حلاً مجانياً تكسب هي منه؟

انفرجت أسارير رجل العقل وسأل بترقب:

--- بدأت أفهمك.. لا سترحب ولكن أي مشكلة وأي حل أقدمه لها؟

= قل انك كنت غبياً والىن فهمتها وفهمت أن مزيد مشاغلك يقلقها وانك قررت التضحية بمشاغلك الجديدة لأجلها..

لن تحاول إنكار أن تلك كانت مشكلتها وإلا ستفقد طواعيةً مكسبها المجانيّ بتنازلك لأجل خاطرها..

--- عظيم ثم ماذا؟

= ثم تكون حللت مشكلتك الثانية.. معك الآن عذر يحفظ كرامتك في الانسحاب.. ويكتم محاولات التأويلات السياسية،

أو على الأقل يخفضها ويضمن لك وضع خصومك موضع الأنذال كارهي الهناءة الأسرية،

وهكذا تصدر مشكلتك الأسرية لبيوتهم هم حين يفكرون في تاويل موقفك "النبيل" من زوجتك..

بل ويزيد لك مكاسب فأنت الآن لك الحق في بناء الكثير على موقفك الأسريّ النبيل،

حين تتضح أمور سير المعترك وتحدد نقطتك الجديدة فيه.. كل ما عليك أن تطيب خاطر امرأتك،

وتبدأ الترويج الهادئ أمام كل من عرفوا أو تظن انهم يعرفون بمشاكل بيتك..

ودعهم هم يخطئنوك ويمسكون عليك كقرارك كانه خطأ وهذا كفيل بنشره دون مظنة أنك تنسحب فشلاً..

 

--- مذهل.. مذهل يا رجل.. سأفعل هذا بمجرد حل مشكلة السيارة المتعطلة الغبية تلك..

= ما تلك أيضاً؟

--- أبداً.. سيارتي انفجرت إحدى إطاراتها.. وعندما شرعت في تغييرها طارت مسامير الغطار الأربعة في العاصفة..

 

لمعت عينا رجل المستشفى بنظرة تأنيب لضيف المستشفى الذي اجب نظرته تلك بسؤال:

--- لا تقل لي إن لديك حلاً لهذا..

= لديك أنت..

--- كل مرة تتكلم تأتي بجديد.. هات ما عندك

= لا جديد. ما سبق أن حللت به مشكلتيك السابقتين.. توزيع الأرصدة..

--- كيف؟

= الا يمكن لثلاثة مسامير ان تحمل ما تثبته أربعة؟

اخلع مسماراً من كل إطار من المثبتة يتوفر لك ثلاثة مسامير تثبت بها الإطار الاحتياطيّ،

وترجع لبيتك وتنتظر حتى يفتح أول ميكانيكيّ ورشته وتدعوه لإضافة المسامير الناقصة مع لإطار جديد..

 --- انت مدهش عبقري أكيد هناك سر لوجودك في مستشفى المجانين.. لا أقل من أن أعرف لماذا أنت هنا؟

 

وكأنما من عمق جوف الأرض النقية المتعبة من تراكم طبقات الأرض الصلفاء العجفاء من الفهم والحس فوقها،

كأنما من حميم جوف تلك الأرض اندلعت إجابة الرجل كبركان متفجر يطيح بكل ما أدخره من غضب بكل ما فوقه من غباوة،

ويهب لفحها الحارق الخارق في وجه العاقل وسؤاله:

 أنا في مستشفى المجانين لأنني مجنون لا غبيّ.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.