الاثنين، 8 مارس 2021

تحدي الجنون (مجموعة "خداع بصر"- 18)

 

 

تحدي الجنون !!

 

 

ليس المعنى أن أتحداك يا قارئ فيمن هو أكثر جنوناً أنت أم أنا!!

العنوان من "بنية الإضافة"ن و"وجه الإضافة" فيها أن "المُضاف إليه"

هو الفاعل في المٌضاف..

الجنون هو الذي يتحدّى!! يتحدى مظنتك أن عموم الناس عقلاء..

وقبل البداية أحدِّد موقعي من القضية:

لا لستُ من المجانين ولن أفاجئك في النهاية بشئ كهذا على أساس اتباع تلك الطريقة المبتذلة التي أسميها "ظرف الختام"..

فليست هذه الحركات مما يليق بالكتابة الجادة التي أجتهد فيها..

لا لست من المجانين، على الأقل في كتابة هذه الأطروحة،

التي أهدف فيها وبكل جدية من تحقيق ربح أنفقه على بقية مواطن الجنون التي تخصني..

وإنما لا اكتمك من البداية أنني أعمل عمل المرشد الذي ينبهك لحال من هو حولك.. جميعاً.. جميعاً..

سأشهّدك بنفسك على حال الجنون المتخفي في ثوب العقل والمستتر خلف ستار الاعتياد..

وسأدلّك على اختبارات عملية تجريها بذاتك لتكشفه وهو يتحدى البشر في عقر عمق عقولهم ويكسب دائماً التحدي..

 

من قال أن الجنون له علامات ظاهرة في سلوك صاحبه؟

أقصد إن من قال ذلك فهو لا يدري شيئاً عن الجنون ولم يعانِ يوماً من وطأة الجنون..

 

الجنون حاضر في كثير من الناس..

لايذهب ذهنك لمظنة أنني أحيلك لمجانين كرة القدم.. فأولئك ظاهري الجنون ولا يتكلّف كشف حالهم عناء كتابة سطر واحد..

ولا يليق بخطابنا أن يكون هكذا ساذجاً بإيضاح الواضح.. ولا اوضح من جنون أولئك المتعصبين لنوادي الكرة..

فهل من العقل أن ينسب واحد نفسه لكيان بلا معنى بل ولا كيان أصلاً..

مجرد اسم يتغير موظفوه ولاعبوه وجماهيره مع دورة الحياة،

لا بل ولا حتى اسمه يثبت دائماً..

إنها إشكالية عجز أرسطو عن فك طلاسمها بين الجوهر والأعراض..

ومع ذلك فلهذا "الكيان" الذي بلا كيان جمهور يقتل نفسه حزناً،

أو يقتل غيره شماتةً لكرة دخلت بالصدفة في شباك لم تجد من يحرسها..

لا لا أقصد أولئك الحمقى الذين جنونهم اظهر من أن يكتب العاقل فيه شيئاً اكثر من السطور السابقة..

 

ولا الكلام عن جمهور الملاهي والمراقص وما بها من جنون المجون.. هذا أظهر من التنويه له..

بل على العكس أن حال هكذا جنون من النوع الحميد..

الحمد هنا لا يعود على المجون حاشا ولكن على حيثية جنونه إذ هو ظاهر سافر يعلن عن نفسه للناظرين..

ولا يمنع الناظرون من التحرّص منه مع ظهوره لهم إلا أنه معدٍ يصيب من ينظره فيفقد استيعابه لكونه جنوناً ويفقد ذاكرته،

وإلا فإنه لو لم يفقدها لتذكّر أنه قد حكم عليه بالجنون حال مشاهدته له أولاً قبل أن تعمل فيه عدواه..

 

لا أتكلم عن الجنون اجلماعي على مثل تلك الشاكلات الظاهرة..

ولكن أتكلّم عن الجنون في أفراد لا يمكن تصور أنهم مجانين لمن لا ينظر جيداً..

والمفاجأة أن هؤلاء الأفراد هم كل عينات الجنس البشريّ..

 

ولا أطيل أكثر وأدخل في الموضوع:

تحدِّي الجنون..

انظر لأي واحد ستجده مجنوناً..

والاختبارات تترى وسيدها هو سيد الكوكب الذي يقطنه الجنس البشريّ المجنون..

إنه "الإعلان" الذي لا يعلو صوت فوق صوته..

تعال معي في حضرة سيد اختبارات الجنون للتأكد بنفسك:

هل الإعلانات عمل جنون؟ استحالة فلا أحد يقذف بأمواله دون طائل، بل لعل اختبار المال هو الذي يُشفي أشد المجانين من آفتهم..

إن من ينفقون المليارات لا بد أنهم يعقلون مكسبهم منها.. ولكن الجنون في الإعلان..

ليس في فعل الإعلان ولكن في "مفعوليته"!!

لأن الذي يقول بالفعل في الإعلان، ذاك التاجر الجبار الذي في موضع "الفاعل" ليس مجنوناً...

أو على الأقل ليس مجنوناً في عمل الإعلان، ولكن ماذا عمن يسكن في موضع المفعول فيه بالإعلان؟

هل من شك في جنونه؟

لولا يقين المعلنون من جنون المُعلَن عليهم لما أنفقوا عشر عائد تجارتهم على الإعلان عن تسعة أعشارها..

العقل يقضي بأنه متى تم الإعلام انتهى الإعلان..

متى علم المُعلَن فمن اللغو تكرار إعلانه بما علم به..

ولكن قضاء العقل غير نافذ في حالة الإعلانات..

العقل أن يسمع الواحد إعلاناً عن سلعة فيجربها، ولكن طالما جربها مرة كان بطُل الإعلان..

لم يعد للإعلان معنى.. صار غير ذي موضوع لدى العقلاء..

يُقال إن التجربة خير برهان، والصحيح أنها خير برهان قبل إنفاذها فمتى جرت التجربة وتمت،

ما عادت بعدُ خير برهان لأنها صارت الرهان الوحيد الذي يجب ويبطل بقية الأدلة.. هذا هو العقل، ولكن أين هو في الإعلانات؟

العقل يقتضي أن يستمر الإعلان حتى يقوم بعمل "الإعلام" فمتى علم جميع المستهدَقين انتهى أمر الإعلان..

فماذا يفيد استمراره إلا تعطل العقل؟ ماذا يعني دوامه إلا دوام الجنون؟

لولا ثقة المعلنين عن جنون الجمهور لما داوموا على إناق عشر أرباحهم هكذا..

انظر لأي واحد يشتري سلعة تجاوباً مع الإعلان عنها..

إن كان قد جربها وأقنعته فما حاجته لتكرار الإعلان ليكرر شراءه لها إلا أنه مجنون؟

النظرة العامة لاختبار الغعلانات يفيد بالتركيب العام للجنون، ولكن لا تجعل الغابة تعطلك عن تفاصيل عجائب أشجارها....

انظر للتفصيل في تكنيكات الإعلانات!!!!

انظر لأي إعلان... انظر بعدما تنفض عن نفسك الاستخفاف بعملك هذا..

انظر وانت محترس من سرحان الاعتياد.. انظر في الإعلان كأنك وانت بحق تنظر في سر من أسرار البشر..

الآن وأنت تنظر في الإعلان أي إعلان فأنت في معمل فحص تفاصيل الجنون.. أنت ترى بدائع طبيعة البشر..

أي مجون هذا الذي ينظر لحسناء تلتهم شرائح البطاطس كأنها ضبعة مفترسة

فيذهب ليشتري الشرائح وفي مخيلته أنه يلتهم الحسناء؟

ما العلاقة الموضوعية بين البطاطس والممثلة المأجورة؟ اسأل الزبون هل هو مغفلأ؟ هل يظن أن الإعلان صادق؟

حاشا وكلا الزبون ليس هكذا مغفلاً.. ولكن هذا دليلي لا دليلك أنت،

فالغفلة عذر دون الجنون، والمغفل معذور بجهله.. والجنون لا يثبت إلا مع ثبوت توفر المعرفة..

وزبون اختبارنا هذا يعلم أن البطاطس أم قلاقة ورقات من فئة الجنيه لا يصرفون معها جسناء ولا صورة حسناء..

ويعلم أن حسناءالإعلان تقبض في ظهورها قيمة محل البقالة كله الذي يشتري منه الزبون شرائح البطاطس..

ولكن امنع عنه الإعلان تده امتنع عن شراء الشرائح.. لذلك فالمعلن عاقل لأنه لم يتوقف عن الإلحاح بإعلانه..

وبقدر ما هو عاقل في هذا فالزبون ...... غير عاقل..

 

واختبار آخر يضمن لك التثبت من صحة نظريتي..

انظر لاختبار الضحك..

هذا لن يكلفك أكثر من نكتتين تحفظمها وتتدرب قليلاً على إلقائهما..

قل نكتة غير مضحكة وتابع ردود الفعل ستجد من ينفجر ضحكاً.. ها أنت تكشف واحداً..

قل نكتة أخرى مضحكة جداً وانظر لمن ينفجرون ضحكاً عليها ستجد واحداً لا يضحك كما ينبغي.. ها قد كشفت واحداً آخر..

 

هل الباقون إذاً عقلاء؟ لعل فرصة كشفهم لم تأت بعد ليس أكثر.. اصبر وتابع النظر لهم في مواقف أخرى..

تابع ذاك الذي يعمل في مؤسسة تشترط حسن المظهر.. ليس من الجنون انه يعقد قماشة حول عنقه فهذا مفهوم في علم الجمال،

وليس في عمله جنوناً وغن كان آخرون من أزمنة أخرى قد يخالفونني الحكم هنا،

ولكني لن اتعسف واستشهد بهم لمعرفتي بأن الجمال نسبيّ والجنون مطلق،

وطالما الواحد يتابع مقاييس الجمال في الأناقة بحسب زمنه فهذا لا جنون فيه..

نعم لو أردت التعسف لحكمت على الجميع بالجنون من واقع كل شئ يعملونه ولكن ليس ثمة قصد لتلفيق نتيجة..

وإنما القصد الصحيح هو التنبيه القائم على شواهد صادقة لحال الجنون المتموجد (من العلاقة الوجودية) في نفوس البشر..

لا أتوه عن الحالة الأخيرة حالة ذلك الذي ضحك على النكات بحسب ما تستوجب فلم يثبت عليه الجنون بمجرد اختبار الضحك،

ذلك الشخص العيّنة الذي أشرتُ منذ سطور بمتابعته في ظروف أخرى وظهر أنه يعمل في مؤسسة تشترط حسن المظهر..

انظر له الآن وهو في عطلة طويلة وها هو يعود لمسكنه ويخلع سترته الانيقة ويفك عن عنقه القماشة التي كان يربطها بها،

ويلبس روباً حريرياً براقاً.. لماذا؟ لمن؟

شئ من اثنين أما أنه يلبسه لأنه مجنون أو يلبسه ليتمتع هو نفسه بمرآة نفسه في ثوب جميل،

ولكن... كيف سيرى نفسه؟

,

,

,

,

,

,

,

,

,

,

,

,

,

,

ليس إلا المرآة!!

هاهاها...

ألم أقل لك؟! المرآة موظن الجنون يا عقلاء.. هل صدقتني الآن؟ الجميع مجانين ولكن جنونهم لم يأخذ فرصته العادلة بعد!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.