الاثنين، 5 أبريل 2021

أجمل حزينة (رأس الشعر-- قصيدة بديوان منفرد ومتفرّد)

  

هنا يسكن نصّ قصيدة

أجمل حزينة

بين سطور قصّتها

 

 

   كتبتها لحظياً، وحفظتها حرفياً، وفشلت في تغيير حرف فيها أفشل مما فشلت في معرفة كيف حفظتها غيابيّاً تلقاءً دون محاولة، بل أصلاً كيف أتممتها دون مداولة؟!؟! إنها قصة بقصيدة او قل هي قصيدة بقصة.. جديرة بقرار بقانون أن نتضدّر مجموعة "ولكنها تدور".. إنها "أجمل حزينة"!!!!

 

   دخلت المحاصرة بتطميع الزميل "أمين" أن هنالك فرصة للعب "إكس او" وخلا ذلك فلا أدخل محاضرة.. وهكذا دخلت معه وجرى رسصم مربعات "إكس أُو" في كشكولي من حيث أنه ممتلئ بالصفحات التعيسة التي لم تكتمل فيها محاضرة ولا اتضحت فيها مغالق خط يد.. ولكن لفت نظر الزميل أنني سرحتُ قليلاً، لا عن المحاضرة التي لم أتابعها أصلاً، بل حتى عن اللعبة لأكتب شيئاً ما.. نظر لما اكتب منبهراً..وتمتم: "ايه دا؟"..

 

   لم أكذِّب الخبر وبادرت تلقاءً بضم نظرته تلك إلى ما كنت أكتب فسجلتها بقولي: "قد تطنوُ بي الظنونا تتهمني بالرعونة وتسألني اتكتب كل هذا الشعر يا هذا .....".. فزادت القصيدة لتسمل تسجيل كل ما يبدور بدقة..

  

   ذلك أنني رأيت "أجمل حزينة" تكتب وتكتب وراء المُحاضِر وأنا اكتب واكتب توصيفاً بحالها الجامع بين الغباء والحزن الخام.. حزن غريب طبيعيّ.. يُرَى ولا يُوصّف.. وأنا أكره الغبا بقدر ما أحب الحزم الخام، ولعل إلغاز هذه المفارقة المستحيلة هو ما استدعى تلقاءً محاولة حله بالخروج لساحة لم تسبق لي.. ودائماً ما بدعو المستحيل للحلول المستحيلة.. وكان مستحيلاً عليّ كتابة الشعر وإلا فلماذا لم أحاول قط قبلاً؟!

   وللحق فهي ليست غبية ولكنه مظهر خادع مثلما أنها ليست حزينة.. فالحزين بحق لا تظهر عليه علائم الغباء ولو كانت غاشة.. ولكن هل لي من القصة إلا أعراضها؟ ولذلك فإن رد فعلي كان كتابة قصيدة لا فتح عيادة..

 

   ليلاً وجدتني أحفظها غيباً فلم أصدق وعاودت البحث عن الأوراق التعيسةلأجدني لم أخطئ حرفاً في تسميعها حرفاً حرفاً!!!!

 

   غير مرة حاولت تثريتها فعصت وبقيت كما هي لا تزيد ولا تنقص إلا سطراً واحداً أضفته عنوةً ليكون الاستثناء الذي يبرز القاعدة أن هذه القصيدة هي مصداق نادر الحدوث للنظريبة البنيوية.. هكي هكذا في قالب واحد.. وأما ذاك البيت فتتعثر فيه عينا كل متذوق لانسجام البنية العصوية لهذه التحفة..

 

   ليس منتهى عجائب هذه القصيدة بعد.. فإنني لم أعهد نفسي قبلها شاعراً ولا حتى ناظماً.. لا كتبتُ شيئاً كهذا من فبل هذه لا موضوعاً ولا أسلوباً.. كانت بداية توقَفَتْ لتعود بعد زمن بخمسمئة أو أكثر توزعن عبر أرجاء إيوان بستة عشر ديواناُ،  ولكن لا يسمح ضميري بإنكار حق"أجمل حزينة" أنها كانت بداية الشعر.. مهما ابتعدت التاليات بعيداً بعدها ومهما فقنها كماً وكيفاً فتبقى البداية هي الرأس الملكة أو الملكة الرأس! إذ ماذا يحمل التاج إلاها،،،

  

 

هذا هو النص الكامل (شاملاً السطر الزائد) لـ
أجمل حزينة

 

   

الحزينة

 

حبيبتى أجمل حزينة

حزنها يقهر حصونا

كانت تحيط بقلبى المقطوع من صخرٍ

يقاوم كل ألوان السخونة

 

صار قلبى تحت وطأة حزنها

كلُبابة من دقيق أبيضٍ

صار قلبى كالعجينة

 

صار مثل بساط حجرتها الذي

فرشته تحت سريرها

فيبيتُ ينتظر الصباح بلهفةٍ

فلقد تعوَّد أن يموج برعشةٍ

عندما تصحو وتخطرُ فوقه

تداعبه بأقدامٍ حنونة

 

المدينة

 

مدينة قلبي

إنَّها

 كانت حصينة

كانت مدينةً للعلم والعلماء

صارت

قريةً للعاشقين

مدينة قلبي للعلوم أقمتها

شيدتها

زينتها عبر السنين

فكنت ترى فيها نيوتن جالسا

وآينشتين بين الجائلين

وتسمع شكسبير يتلو شعره

وتسمع همهمات الباحثين

وللفلاسفةِ أقمت فيها بنايةً

وضاحيةً لكل المبدعين

 

صحت المدينة صبح يوم

خائفة

فلقد أطلت في سماها

نظرةٌ

 مختلفةٌ

من عيون حبيبتي

تلك الحزينة

و لم يمر نهار ذاك اليوم إلا قد محت

نظرات محبوبتي تلك المدينة

تلك التي كانت مدينة

 

فأعلنْتُ الهزيمة فرحاناً

حزينا

ثم قد سلَّمْتها

مفتاح قلبى مع مفاتيح المدينة

 

حزن محبوبتى

 

حزن محبوبتى مثل حزن صبِيَّةٍ

قد ودَّعت حبيبها

و هي تعلم أنها قد لا تراه

أو أنَّه

في حضنها لقي المنونَ

 

أميرة الوجهين

 

حبيبتي مثل أميرةٍ مصريةٍ

قد أقامت في عهود الأقدمين

في عهود الفراعنة العظام أراها قد أطلَّت

من شرفة القصر المُنيف مزينة بكل زينة

و الراقصات السمراوات حولها

بكل رفق ينثنينَ

و المعبد المصريُّ في مرمى البصر

يعجُّ بكهان بأجساد متينة

تبوح أعينهم بحكمة مصرية

و أيديهم تفوح فنونا

و شعب أميرة الوجهين رُكَّع ساجدينا

و نـهر النيل يهدر تحت شرفة قصرها

ثائرا مفتونا

 

و ألمح فى عيون حبيبتي حزناً دفينا

يا للعجب

حزن الحبيبة مثل حزن أميرة

قد أحاط بقصرها غوغاء قوم ثائرين

فأسألُ

فيم الحزن أيتها الأميرة؟

فتجيبنى

نفس نظرتها الحزينة

 

البلاهة الحزبنة

 

حبيبتى بلهاء

تحزن بلا سبب

تجلس فى المقاعد الأولى وتكتب

ثم تكتب ثم تكتب

دون كللٍ أو تعب

و أنظر فى مُحيَّاها  كى أستبين

إن كانت هي فهمت

فأدرك أن الفهم قد عادَ

و لم يجد

في هذه الرأس الجميلة السمراء ركناً أو مكانا

ياليتــنـى كنت البلاهة عينها

فأمكثُ في هذه الرأس الحزينةِ

 ساكناً مسكونا

 

إلتـــفاتة إلى الصديق المذهول

 

قد تظنُّ بى الظنون

تتهمنى بالرعونة

و تسألني

أتكتب كل هذا الشعر يا هذا

من أجل بلهاء حزينة؟

مرآة حبك لا ترى

مجنونة

 

لا تقل مرآة حبي لا ترى

لا تقل مرآتي عمياء ولكنْ

ثق بأن الحب يخلق للضرير عيونا

 

ثق بأنِّي قد أرى ما لا تراهُ

وإن تكرمت فساعدني و مد يد المعونة

فإنِّي أشد ما أكون عوزا للمعونة

فهي حبيبتي

لكنى لست حبيبها

و أنّى لشاعر في مثل حظي أن يكونا

 

و لو رأيت ما أراهُ

و لن ترى

لهتــفت مثلى

صارخاً بِاسْمِ الحبيبةِ

كوني لي

دنيا

ودينا

حبيبتي اسمها (....)

 

 

   لم يكن ممكناً لهذه الأتحوفة وفد اطلع عليها اثنان أحدهما كاتيها أن تبقى سراً دون حفنة عشرات آخرين من الزملاء.. وسأجمع خلاصة تعامل أولئك معها ومردوده على شخصي بجمع طرفيها من أقصى التفاهة لأقصى الخطورة..

  

    فهذا حوار هكذا دار مع الطرف غير ذي الدُربة مع فن القصائد:

     -- اسمها سعاد.. صح؟

    = لأ غلط يا غبى

 

   -- أنا غبى؟

 

   = وانا أغبى منك اللي أقرا الشعر العالى ده قصاد واحد غبى زيك..

  

   ومن تفاهة الغباء ما يستر! لأنه يغير نكهة حدة أثر القصيدة حال وصولها لغير مرحبيها.. يتصله مصحوبة بنكات التفهاء فينصرف غصبه ويتشتت بين "وحايد" السفها..

   انببهت لهذا مبكراً فتسامحت وأفسحت موضعاً في نفسي لاحتمال ما تثيره الغباوة من لواعج الإحباط.... ولم أمانع، بل لعلّي رحبت, بل ربما سعيت في توسعة دائرة غير ذوي الدربة في استطعام هذا النوع من الكتابة.. بل لتكن سعاد للتمويه وقليل من التغابي لا يضر، ويسرني تمتع الأفذاذ من القراء بالنباهة التي تجعل خداعهم عسيراً إذ لا تخدعهم حركة "التغابي" هذه إذ يفهمون أنها سعاد بالفعل ولكني أتغابى للتمويه..

    إذاً داوم البعض تناقلها شفاهةً والإشارة لها لآخرين والإلحاح على نشرها في مجلة حائط أو مجلة من منشورات الكلية، ولم يخب تأثيرها قطّ وفي كل مرة قصة أخرى أقاوم إغراء استدعائها.. ولكن كان التأثير الظاهر كقمة جبل الجليد يخفى تحته من الجذور ما لم أتصوّره!!

   على أن "أجمل حزينة"، القصيدة، لم تتعد دائرة ضيقة تحت تمام التحكم والضمان، فلا سمحت لأحد المعدودين أولئك باسترجاع أي طرف منها لغير من يعلم أني أدخلته في دائرة العرض ولا تسامحت قط مع إغراء نشرها، حتى أتى نصيب نشرها هنا في أمان تباعد الزمن حيث يقرأ القارئ بعد 30 سنة إلا قليلاً جداً!!!! وأما لماذا فهذا فهو لمنظومة أخلاق أعلمها وأفهمها ولا يشتوعيها كثيرون، ولكون منبع القصيدة نزعة تحدٍّ لغويّ لا تجربة شعورية كما يروج مما لا مصلحة لي معه..

   ولم يتوقف الأثر النافذ للقصيدة على تعرّف وشغف البعض.. كان هناك أدل على الأثر قصته بدأت بكلمة قالها زميل ضخم طويل وعريض وقويّ البنية ولعله مارس الملاكمة وقتاً.. هذا عمل زميلاً لأحد روّاد القصيدة في حداثة تخرجهما.. وقال له كلمة ذات يوم عمل: "قررت أخطب"، ونقل لي الزميل المتأثر بالقصيدة الحوار الذي أنقله بحرفه كما نُقِل لي مع ما زاد عليه من جانبي استفهاماً على سبيل الاطمئنان:

--- الزميل المتأثر بالخطبة المزمعة: "قررت أخطب"

-- الزميل المتأثر بالقصيدة: "ايه اللي عجبك في اللي هتخطبها؟"

--- الزميل المتأثر بمشروع الخطوبة: "عينيها فيهم حزن غريب يا فلان مالوش سبي يخليك عاوز تطبطب عليها كدة"..

-- الزميل المتأثر بالقصيدة: "تكونش سعاد؟" ناطقاً اسمها تلقاءً بحسب ما يملأ نقاط السطر الأخير من القصيدة..

--- الزميل المتأثر بمشروع خطبته هائجاً من التعجب والقلق: "عرفت منين عرفت منين انا ماقلتش لحد إطلاقاً ولا ليها ولا سبت علامة ولا أي حاجة دي واحدة في الستين مليون (تعداد مصر وقتها) عرفت منين دا مش طبيعي جبت اسمها منين؟" (وهاج زميل الزميل على الزميل)!

-- الزميل زبون القصيدة: "أصلي سمعت الكلام دا قبل كدة"..

--- الزميل الطالب الخبطة: "سمعته قبل كدة يعني إيه؟ مين قال الكلام دا قبل كدة؟

@ أنا: "أوعى تكون قلت له مين دا مفترس"
-- الزميل زبون القصيدة: "لا مقلتش" وحاول مساومتي على الاحتفاظ بالصمت، ولكني غير قابل للمساومة..

   ولم تعرف "سعاد" بأمر القصيدة قط ولا عرف زوجها المحترم (مش ربنا بارك له وكملت نيته لخطوبة لزواج سعيد) لم يعرف إلا بأن هناك من شاركه نفس الأثر فيما لم تعرف هي أي شئ، ولن يعرفا..
إنك محظوظ أيها القارئ بمعرفة لم يحظ بها أصحاب الشأن!!

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تكرم بمطلق رؤيتك في التعليق

تعريف بشخصي المتواضع

  سألني نظام المدونة عند الدخول أن أفيد بصفحة للتعريف بماهيتي... إيجازاً أحسبه بإنجاز أجيتُ: أنا ما أكتب.